تعليق ذبح أضحية العيد.. السَّبب والمُسَبِّب

05 مارس 2025 18:27

هوية بريس – إبراهيم الطالب

بعد صدور الأمر الملكي بتعليق ذبح أضاحي هذا العيد لسنة 1446هـ، انقسم الناس إلى ملاحظ ومستفسر عن الحكم الشرعي، وفرِح ومستبشر بالقرار، وساكت وحزين، وصارخ متضرر من القرار.

ولست في هذه المقالة مهتما بالجانب الشرعي الذي يُعنى بحكم تعليق ذبح أضاحي العيد، هل يجوز أم لا.

وسأقتصر على الكلام في هذه العجالة عن الأسباب الدافعة لهذا القرار ومن سببها.

فمن الناحية الموضوعية الأمر الذي اتخذه العاهل بصفته أميرا للمؤمنين، استند فيه إلى أسباب متعلقة بالواقع الذي يعيشه القطاع والقطيع.

لكن هل هذا الواقع سقط فجأة من السماء، كالزلازل والفياضات، أم هو نتاج أسباب، وراءها مسبب عليه أن يتحمل النتائج.

وقبل الخوض فيهما نحب أن نعرج على الأساس الذي بني عليه قرار التعليق الذبح.

فالأساس الذي بني عليه القرار الملكي يتمثل في وضعية القطيع الحيواني، الذي يعيش في حالة اندثار وتآكل، ويمضي نحو العدم، فهذا يعرفه كل من هو قريب من الميدان، ونعرفه بالواقع ومن خلال تصريحات المختصين الرسميين وغير الرسميين من المشتغلين بالقطاع خصوصا في إنتاج اللحوم الحمراء، التي تعتبر الأغنام والأبقار جزءا مهما ومصدرا أساسيا فيه، وفي نفس الوقت يعتبران من أهم أنواع الأضاحي التي يتقرب بها إلى الله سبحانه في عيد الأضحى.

ويمثلان بالإضافة إلى الإبل والماعز الأساس للثروة الفلاحية في المغرب، الذي رهن اقتصاد البلاد بقطاع الفلاحة منذ فجر “الاستقلال”، خصوصا في غياب امتلاكه للصناعات الثقيلة.

إن الاضمحلال والضعف والتآكل الذي يعيشه قطاع الماشية، يشكل خطرا كبيرا يهدد الدولة والمجتمع بفقدان الأمن الغذائي، وهذا من أخطر التهديدات التي نعيشها اليوم خصوصا مع توالي أعوام الجفاف والقحط.

ورغم كل المحاولات وكل الميزانيات طويلة الأرقام، التي رصدت في السنوات الأخيرة لدعم استيراد الأضاحي لاستكمال الحاجة منها في العيد الأضحى إلا أن الأمر لم يسعف في تعافي القطيع.

فإذا كان السبب هو تآكل القطيع واضمحلاله؟

فمن هو المسبب الأكبر لهذا السبب؟؟

لا يمكننا بحال أن نعلق تلاشي القطيع الحيواني المغربي على شماعة الجفاف المتوالي لسنوات.

خصوصا إذا استحضرنا ضخامة الميزانيات التي رصدت للقطاع الفلاحي وللنهوض به، وبالعالم القروي أرضا وإنتاجا وساكنة.

والتي تم تخصيصها لإنجاح أكبر مخطط فلاحي عرفه المغرب في تاريخه، وهو مخطط “المغرب الأخضر”.

انطلق هذا المخطط في سنة 2008، وتأسس على مستويين اثنين من حيث التنزيل:

المستوى الأول: استهدف الفلاحين الكبار الذين كانوا الأمل في إنجاح المخطط، لذا تم تمويل استثماراتهم بنسب تصل إلى 80% كما تم تمكينهم من كراء الأراضي أو بيعها لهم بأسعار جد تفضيلية، أغرقتهم في خيرات البلاد، هذا بالإضافة إلى تخصيص ميزانية لدعمهم وصلت إلى 80 مليار درهم.

أما المستوى الثاني فاهتم بصغار الفلاحين واعتمد على برنامج الإعانات المادية بحيث تتكفل الدولة بدعم تمويل التجهيزات الخاصة بالفلاحة من نظم الري واستصلاح الأراضي وبناء الإصطبلات ومرابط الماشية، وشمل الدعم أيضا الآلات التي يحتاجها الفلاح في التدبير اليومي للفلاحة.

وقد رصدت لهذا المستوى ميزانية تقدر بـ 20 مليار درهم، وُجِّهت لدعم المشاريع المباشرة، في حين تم رصد ميزانية 50 مليار للأنشطة الداعمة والمؤهلة للقطاع، مثل برامج التأهيل ومواكبة الفلاحين في دراسة الزراعة الملائمة لأراضيهم وعملية التشجير.

وقد خصَّص المخطط تمويلا مباشرا لتشجيع الإنتاج على مستوى القطيع الحيواني حدد في 4000 درهم إلى 6000 درهم يصرف للفلاح عن اقتناء كل بقرة ذات نسل مختار.

من أجل إنجاح هذا المخطط خلقت الوزارة 17 مركزية بيو مهنية و16 غرفة فلاحية.

فهل نجح هذا المخطط في تنمية القطاع والقطيع؟

الجواب: لا أبدا.

ففضلا عن تلاشي القطيع الحيواني، أصبحت البوادي المغربية اليوم تعرف ندرة كبيرة في الأيادي العاملة، التي فضلت أمام الوضع الكارثي الهجرة إلى أوروبا عبر قوارب الموت، فزاد ذلك من تردي وضعية القطاع الفلاحي.

وبعد فشل مخطط المغرب الأخضر، تم ابتكار مخطط جديد أطلق عليه اسم: “الجيل الأخضر” 2020-2030، والذي يعتبر كما هو مبين في موقع الوزارة الإلكتروني، رؤية جديدة للقطاع الفلاحي “تستهدف تحسين ظروف العيش والاستقرار في العالم القروي، وتحفيز التشغيل، خصوصا بالنسبة للشباب، والعمل على انبثاق طبقة متوسطة فلاحية”؛ وقد حدد هذا المشروع لها أهدافا منها:

– تمكين 400 ألف أسرة من الولوج للطبقة المتوسطة الفلاحية.

– تمكين 690 ألف أسرة أخرى من البقاء والاستقرار في نطاق هذه الطبقة.

-خلق جيل جديد من الشباب المقاول، خاصة من خلال تعبئة 1 مليون هكتار، وتوفير التغطية الصحية لحوالي 3 مليون فلاح، هذا بالإضافة إلى رسم أهداف غاية في التفاؤل، منها تشغيل 350 ألف شاب وتكوين 150 ألفا آخرين في مجال الخدمات الفلاحية والشبه-فلاحية.

فالأمر على الورق يطول والميزانيات المرصودة ضخمة جدا، وكفيلة بأن نكون اليوم من أكبر مصدري اللحوم الحمراء لا أن نضطر لحرمان الناس من فرحة العيد، وإحباط الآلاف مما تبقى من الفلاحين من مربي الماشية، والإضرار بهم، فآلاف الرؤوس ربطها مالكوها من أجل العيد، وفيها ما لا تصلح للجزار لضخامتها، وسيؤدي بيعها في غير أسواق العيد إلى الإفلاس المحقق للفلاحين، ومن ثم المزيد من الهجرة من البادية إلى المدن، وقد بينت نتائج الإحصاء العام لسنة 2024 أن البوادي المغربية أصبح يشكل قاطنوها وفقا: نسبة 37.3% فقط، وذلك ليس لأن البوادي قد تمدنت، بل لأن سكانها هجروها وفروا منها.

والسؤال الأبرز الآن بعد هذه الجولة هو:

ما هو السبب الرئيس الذي أفرز فشل مخطط “المغرب الأخضر”، وأضعف مخطط “الجيل الأخضر” مما أنتج لنا هذا الوضع المنهار؟

الجواب ودون كثير كلام هو:

“الفساد البنيوي المتجذر في كل البنيات السياسية والإدارية والشعبية”.

فملفات الدعم ومشاريع النهوض بالقطاع، أغلبها كانت غير حقيقية بل وهمية يتواطأ بشأنها الشعب مع المسؤولين من سياسيين وإداريين في التزوير للمعطيات، الأمر الذي نتج عنه استنزاف ميزانيات الإصلاح التي ذكرناها آنفا، والضحية هي المصلحة العامة للبلاد، وإفلاس القطاع وتآكل القطيع.

علينا أن نواجه الحقيقة وننظر بكلتا العينين:

الفساد مستشرٍ في البلاد والعباد.

أما قرار تعليق ذبح الأضاحي بالنسبة لعيد الأضحى فأعتبره كيًّا وليس علاجا.

وما دام الأمر هو لسنة فقط، فالعقل يجب أن يتجه على مستوى التفكير إلى البحث في سؤال:

هل بمنع الذبح في العيد ستحل مسألة إفلاس القطاع ودمار القطيع؟

أم على الدولة اتخاذ تدابير أخرى مرافقة مع هذا الفساد الهائل؟

إننا نعيش اليوم حالة من التردي والفساد ربما لم تسبق في تاريخ المغرب، بنيات اجتماعية متفككة، فشو كبير للرشوة، نخبة سياسية فاسدة، أحزاب ممثلوها في السجون، شباب محبط، أمية مستشرية في المجتمع، هدر مدرسي مؤذن بنشوء جيل من المحبطين وجيوش من قطاع الطرق، حالة سياسية لا حياة فيها، اختراق صهيوني للبنيات الاقتصادية والثقافية؛ تعليم مفلس، واقتصاد مرتهن للمؤسسات الرأسمالية الشرسة.

كل هذا وغيره أنتج مغربا يقف على الهاوية تكفيه زحزحة لطيفة ليسقط إلى القاع.

لقد سبق منذ سبع سنوات في إحدى افتتاحيات “السبيل” أن قلت فيها بشأن الفساد ما يلي وأكرره هنا:

إنه أمام تغول الفساد يجب على “الدولة” بمعناها الخاص جدا أن تنقلب على نفسها، كانقلاب الرشيد على البرامكة، وهذا يتطلب منها أن تنقلب على بنية الفساد الصلبة، التي اعتمدت عليها لعقود مضت، حتى امتزجت بنيات الدولة الرئيسة في الحكم مع مصالح الفاسدين والمفسدين، الذين صاروا يتصرفون باسمها، ويمصون دمها ودم المغاربة، فإن لم تَثُر الدولة على فاسديها فستعرف ما عرفته الكثير من الدول فلا دوام للظلم ولا للفساد.

ولقد بدأت الدولة -بالمعنى الذي ذكرنا- انقلابها في السنوات القليلة الماضية على المفسدين لكن ذلك يبقى محتشما وبطيئا، ونخشى ألا يبقى لها مجال حتى لاستكمال محاكمتهم، فالفساد البنيوي في المغرب صار له حماة يحصنون أتباعهم حتى لا يسقط الجميع.

(إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون). سورة يونس.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
15°
15°
الإثنين
15°
الثلاثاء
17°
الأربعاء
17°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M