ثق… لكن بعين مفتوحة: كلٌ له ثمن

هوية بريس – إبراهيم سهيل
الثقة ليست غفلة وليست سذاجة وليست مذهبًا مثاليًا يعيش في أذهان من لم تلسعهم الحياة، بل الثقة مسؤولية تُمنح بحذر وتُقيَّد بالبصيرة، لأن النفوس تتغير والعقول تميل والمصالح تقلب الموازين، وكم من موثوق انقلب خنجرًا وكم من قريب صار ألدّ الخصام وكم من أمين باع الأمانة في لحظة عرض، فلا تُسلم مفاتيحك لمن لا ترى في وجهه أثرًا من مخافة الله، ولا تعط قلبك إلا وأنت ممسك بخيوط رجعتك.
واعلم أن الكل له ثمن وأن ما من إنسان إلا وفي زاوية من زوايا قلبه موضع يمكن أن تُفتح فيه أبواب الطمع، فإذا لم يحفظه إيمانه زلّت قدمه ولو بعد حين.
وإنك إن أردت أن تنجو من الصدمات في هذا الزمان فلا تُبالغ في حسن الظن ولا تُغرق نفسك في الأمان الكاذب، بل اجعل عينك مفتوحة دائمًا تُراقب المداخل وتختبر الصدق وتصبر على التقلب، ولا تُفاجأ بالخيانة ولا تستبعد أن يبيعك أقرب الناس إذا دارت عليه دنيا تغري أو شهوة تفتن.
واعلم أن الوفاء لا يُشترى وأن الأمانة لا تُلقّن وأن من لا يخاف الله لا يُؤتمن مهما أظهر من خُلق، ولا يُخدعك حسن الكلام فإن كثيرًا من الباعة يلبسون ثوب الأخيار.
وما أكثر الوجوه التي لا ترى في العلاقات إلا صفقات وإن من الناس من لا يعرف من الصدق إلا ما ينفعه ومن الوفاء إلا ما يُكسبه ومن الأخوة إلا ما يُؤمّن له الظهر حتى إذا انتهى الغرض تنكّر.
فثق نعم… لكن لا تُغلق عينيك وثق نعم… لكن لا تُسلم رقبتك وثق نعم… لكن لا تُعطل عقلك فالناس لا يُعرفون وقت الراحة بل وقت الحاجة ولا يُمتحنون بالقول بل بالفعل، وقد قيل: اعرفهم في المال واعرفهم في الغضب واعرفهم في المصلحة واعرفهم حين تختلف معك فمن ثبت على الحق في خلافك فهو الثابت، ومن غدر عند أول خلاف فقد كشف عن سعره الحقيقي.
ولا تنس أن للناس دوافع دفينة يُخفيها حسن السلوك فإذا جاء ما يوقظها ظهرت على حقيقتها، فلا تُراهن على الثقة المطلقة ولا تبنِ قصورًا من الطمأنينة بل اجعل في كل علاقة منفذ رجعة وأبقِ لنفسك مساحة تحفظ بها كرامتك إن انقلب الناس.
وتذكّر أن الكل لديه ثمن لكن من خاف الله باع الدنيا واشترى الآخرة فذاك الذي يستحق الثقة حقًا.