حقبة جديدة في البيولوجيا الرقمية.. “ألفافولد” قاعدة بيانات ثورية للتنبؤ بشكل 200 مليون بروتين
هوية بريس – وكالات
فهم كيفية تكوين البروتينات الضرورية للحياة كان يعدّ أحد “التحديات الكبرى” في علم الأحياء، وأمضى العلماء عقودا في محاولة فهم كيفية تشكيلها.
وبدءا من اليوم، سيكون تحديد الشكل الثلاثي الأبعاد لأي بروتين معروف للعلم أمرا بسيطا، حيث حددت أداة جديدة بنى نحو 200 مليون بروتين، بعد أن كشفت شركة “ديب مايند” عن شبكة ذكاء اصطناعي ثورية للتنبؤ ببنى البروتينات الثلاثية الأبعاد، وتغطي تقريبا كل البروتينات المعروفة لجميع الكائنات الحية، وذلك سيمكّن العلماء من الوصول الفوري إلى معلومات متعمقة عن اللبنات الأساسية للحياة.
“ألفافولد” و”ديب مايند”
ووفقا لما ذكرته صحيفة “ديلى ميل” (Daily Mail) البريطانية، فقبل برنامج الذكاء الاصطناعي المعروف باسم “ألفافولد” (Alpha Fold) اعتاد العلماء قضاء أشهر أو سنوات لفهم بنية البروتينات، وغالبا ما استخدم الباحثون أدوات مثل الأشعة السينية، ولكن برنامج “ألفافولد” المطور من قبل شركة “ديب مايند” (Deep Mind) التابعة لشركة “غوغل” قادر على إنجاز التعلم العميق بهدف توقع بنية البروتينات.
وقد نشرت النسخة الأولى من هذا البرنامج في سنة 2018، أما النسخة الثانية منه فنشرت في أواخر سنة 2020، وهي متاحة مع برمجيات مفتوحة المصدر للبحث ضمن قواعد بيانات عن المجموع البروتيني (بروتيوم) للأنواع والكائنات الحية.
وقد استخدم أكثر من 500 ألف باحث في العالم من 190 دولة قاعدة بيانات “ألفافولد” لعرض أكثر من مليوني بنية للبروتينات، وهذه المعلومات المعقدة متاحة الآن بسرعة البحث نفسها على غوغل، ويتنبأ البرنامج الآن ببنية جميع البروتينات تقريبا المعروفة للعلم، سواء في الحيوانات أو النباتات أو البشر أو البكتيريا أو الكائنات الحية الأخرى.
و”ديب مايند” (Deep Mind) شركة بريطانية للذكاء الصناعي، أُسّست عام 2010، وأعيدت تسميتها بعدما استحوذت عليها “غوغل” في 2014. وقد أنشأت الشركة “برمجية شبكة عصبية” يمكنها تعلم كيفية لعب ألعاب الفيديو بطريقة مماثلة للإنسان، والشبكة العصبية قد تكون قادرة على الوصول إلى ذاكرة خارجية، وذلك جعل الكمبيوتر قادرا على محاكاة الذاكرة القصيرة المدى من الدماغ البشري.
مورد مهم للعلماء
وتعدّ القدرة على رؤية بنية البروتين بسرعة في ثلاثة أبعاد ذات قيمة للعلماء الذين يسعون إلى علاج الأمراض والباحثين الراغبين في الوصول الفوري إلى معلومات متعمقة عن اللبنات الأساسية للحياة.
ومنذ إطلاقه في عام 2020، استخدم الباحثون بالفعل “ألفافولد” لفهم البروتينات التي تؤثر في صحة نحل العسل، ولتطوير لقاح فعال للملاريا. ويمكن أن تعمل قاعدة البيانات الموسعة كمورد مهم للعلماء يساعدهم على فهم الأمراض فهما أفضل، ويمكنها أيضا تسريع الابتكار في اكتشاف الأدوية وعلم الأحياء.
يقول ديميس هسابيس، مؤسس “ديب مايند” والرئيس التنفيذي للشركة، إن قاعدة البيانات تسمح للباحثين بالبحث عن هياكل ثلاثية الأبعاد للبروتينات “بسهولة إجراء بحث غوغل بكلمات مفتاحية”.
وأوضح في مقال له على موقع الشركة أن أحدث إصدار من البيانات يعطي دفعة قوية لقاعدة البيانات، ويتضمن التحديث هياكل “للنباتات والبكتيريا والحيوانات والعديد من الكائنات الحية الأخرى”، وذلك يفتح فرصا هائلة لبرنامج “ألفافولد” للتأثير في قضايا مهمة مثل “الاستدامة، والوقود، وانعدام الأمن الغذائي، والأمراض المهملة”.
مجرد نقطة انطلاق
وقال جيان بينج، أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة إلينوي-شامبين (University of Illinois Urbana-Champaign) والمتخصص في علم الأحياء الحاسوبي لمجلة “إم آي تي تكنولوجي ريفيو” (MIT Technology Review)، “ربما يكون ألفافولد أكبر إسهام من مجتمع الذكاء الاصطناعي في المجتمع العلمي”. وأضاف أنه “يمكن أن يساعد العلماء أيضا في إعادة تقييم الأبحاث السابقة لفهم كيفية حدوث الأمراض بشكل أفضل”.
وقال محمد القريشي، عالم بيولوجيا الأنظمة بجامعة كولومبيا (Columbia University)، وهو غير مشارك في أبحاث “ديب مايند”، لمجلة “إم آي تي تكنولوجي ريفيو”، إن توقع تراكيب البروتينات يستغرق وقتا طويلا، ووجود أداة بها 200 مليون بنية بروتينية متاحة بسهولة سيوفر للباحثين كثيرا من الوقت”. ومع ذلك، بخصوص العديد من البروتينات “نحن مهتمون بفهم كيفية تغير بنيتها من خلال الطفرات والتنوع الأليلي الطبيعي، ولن يكون تناول ذلك من خلال قاعدة البيانات هذه”.
ويستخدم آخرون تنبؤات بنى البروتين لتطوير اللقاحات، والتحقيق في أسئلة البيولوجيا الأساسية، مثل فحص تطور البروتينات عندما تطورت الحياة أول مرة. ومع ذلك، حذر الباحثون في مقال نشر بدورية “ساينس” (Science) من أن إطلاق قاعدة البيانات ما هو إلا مجرد نقطة انطلاق، “ومن الواضح أنه لا يزال هناك كثير من علم الأحياء، وكثير من علم الكيمياء، يجب القيام به”.
المصدر: الجزيرة.