حق القرآن الكريم في التغني به والتسليم له

18 أبريل 2020 23:52

هوية بريس – د. إدريس ابن الضاوية

إن البلاغ عن الله تعالى المرتبط بالدين الذي تحصل به الغاية في إخراج الراغبين إلى رب العالمين، يقتضي مُبلِّغاً ومُبلَّغاً إليه ومُبلَّغاً فيه، فالمبلغ ـ بكسر اللام المشددة ـ هو الشخص المصطفى الذي اكتسب مشروعيته في محيطه بحق الوراثة النبوية المنتهية إليه كما هي، نصا ومعنى وطريقة حكيمة في تنزيل هذا المعنى المراعي لحالات المكلفين وقدراتهم، وأولوياتهم، ومراتب التزاماتهم، وضروراتهم وملاحظة مآلات تصرفاتهم، مع الاهتمام بالمقاصد العامة الشاملة لكل مكونات الدين، والاهتبال بمبادئ الاجتماع المؤمنة لمجتمع اليقين، خدمة لغايات البعثة في التلقين والتمثيل والتمرين،المحددة في قولربنا رَبِّ العالمين:«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» [الجمعة: 2]،وقوله: «لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» [آل عمران: 164].

ويقوم هذا البلاغ أساسا على دعوة المُبَلَّغِ إليهم إلى مبدإ الفطرة الأولى القائم على أساس التعلق بالقرآن الكريم المنزل من قبل العليم الحكيمالخارج عن العادة في الفصاحة، والبلاغة والإعجاز المنير،وتبيين سبيل الهداية والرشاد وحسن التبصير، تعلقا يتفرع عن الاعتقاد الجازم بأنه من الله تعالى الحكيم الحميد، الذي فصل في متعلقات بالعدل والتوحيد والوعد والوعيد، بما أنه رسالة هداية لكل مكلف يبلغه خطابه، زمنهج جامع لمحددات الكمالالمنطبع بها بيانه، والمتفردة بخاصية إلاهيته في الحفظ، والكمال، والتصديق، والهيمنة، والاستيعاب، والختم…؛ لأنه الحجة التي ينبغي أن تعقل وتفهم وتتدبر حتى يصير القرآن كما أراده الله تعالى إماما للناس في العقيدة والعبادة والمعاملة والتزكية الضامنةلتحصيل سعادة شهادته والكفيلة بشفاعته ونصرته، التي دل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه:«القرآن شافع مشفع، وماحل[2] مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره قاده إلى النار»[3].

وقول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «إن هذا القرآن كائن لكم أجرا، وكائن لكم ذخرا، وكائن عليكم وزرا، فاتبعوا القرآن ولا يتبعكم، فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة، ومن اتبعه القرآن زج في قفاه، فقذفه في النار»[4].

إن من أجل دعوات القرآن الكريمـ أعظمالكتب شأناوأمنعهاجانبا ـ،حث المستجيبين على ابتغاء وجه الله به، والتوسل إلى رحمته بسبيله، حفظا وتلاوة وفهما وتدبرا، وتحفيظا وتبليغا،لا تَبَدُّع فيه ولا تَنَطُّع،ولا تَعَمُّق فيه ولا تَفَرُّق، إعمالا لقول سهل بن سعد الساعدي: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن نقترئ، فقال: «الحمد لله كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكمالأسود، اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله[5]». وتنزيلا لقول عبد الرحمن بن شِبْل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به [6]“.

ولا يؤدى مقتضى هذا التَأَجُّل المحمود على الوجه المشهود، الموصل إلى الهداية المرجوة من تنزيله، والهادي إلى السكينة المقصودة من تفعيله وتمثيله،إلا بأداء حق الله تعالى في التوحيد المُنَزِّه، والقيامبواجب التفريد المُمَجِّد، والتسليم لمقتضى النبوة الخاتمة، والخضوع لطرائق حججها الحاسمة، المعرفة بآيات الله فيما يَخْلُق، وكيفية إقامة شعب التخلق، الذي يتضخم به الباطنالمستور، وينصلح به الحال المنظور، وتنفذ بهأنواع الأوامر الباطنة، وتقام على أساسه الواجبات الظاهرة، وتقوىبه ملكة اجتناب المناهي الخفية، وتتحصن بها الآداب المرعية، انطلاقا من القيم الأخلاقية الفاعلة، واعتمادا على السمات الإنسانية العادلة، التي تتحكم في سلطة الشهوة والرغبات، وتضبط أنواع السلوكات والملكات، وتوجهصنوف الصلات والعلاقات، على أساس الإنصافوالتواضع والجود مداليل النجاة.

ثم اليقين بشأن متعلقات معتقد المعاد، موعد استحصالالبشارةالمستحقةلخُلََّصالعُبَّاد، الذين عرفوا الله في حال الرخاء، فحققواالنجاءفي دار البقاء بحسن الوفاء، وترك كل مقبوح من مستنكر الأهواء.

إن هذهالمثوبةالموهوبة، والرحمات المسكوبة في هذه الأصول السَّنِيَّة المحبوبة،هي المشار إليهافي قوله تعالى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» [الإسراء: 9 ـ 10 ].

ولا يتم تحصيل نعيمها، ولا امتلاك خاص صميمها، إلا بالاستغناء بالقرآن عن غيره من المشارب، والاكتفاء به عن سائر المطلوبات الجواذب؛لأنه هو مفتاحطلب السعادة، وطريقبلوغ مرتبة السيادة، التي لا تدرك إلا بالوفاء بحق رب العالمين،ولا تكمل إلا بمراعاة حق رسوله المصطفى الأمين، وحق عامة المكلفين،مع ملاحظة حق الإسوة العملية المجملة للحركات،المثمرةلفضيلة الشهادة على التصرفات، التي يحصل بسبهها الأنمودج في التمثلات، والقدوة الحسنة في التقربات التي تنال من خلال استصحاب التخلق بالقرآن المبين، واستثمار بينات التنزيل لأحكام رب العالمين، تخلقا لا يشغل النظر عن لحاظ احتياج الحياة العليا، ولا يقيم على تتبع المتعالممكنات من الدنيا،ولا يدعو لمنافسةمن أَعَطْوا أنفسهم أُمْنِيَّتَهَا، ولا يطمئن لمن اختار هذه الأولى وزينتها، ممن باءوا بإثم مخالفة القرآن، ورجعوا بكريهة الصدوف والهِجْرَان،مستبدلين غيرهبه من المناهج، مستكثرين استقلاله عن سائر المدارج، غافلين عننطقنبينا صلى الله عليه في أصح المخارج: “ليس منا من لم يتغن بالقرآن”[7]. الذي حمله سفيان بن عيينة رحمه الله على معنى الاستغناء به عن غيره من الكلام البشري المعهود[8]، والاستقلال به ابتغاء بلوغ مسلك الصراط المقصود، الذي بين معالمه في قوله المسنود: “من أعطي القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ» [الحجر: 88] وقوله أيضا: «وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى» [طه: 131] . قال: يعني القرآن، وقوله أيضا: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى» [طه: 132] ، قال: وقوله تعالى: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» [السجدة: 16] قال: هو القرآن[9].

وقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم السلامة من إغراء النفس الأمارة،والأمن من كيد الشياطين السيارة،  لمن تمسك بحبل هذا الشفاء واعتصم بهبكل وفاء، في قول أبي شريح الخزاعي: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ««أبشروا أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟»«، قالوا: نعم، قال: ««فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا»[10].تأويلا لقول الله تعالى: «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» [الأعراف: 170 ].

وهذا الفضل المحصل بالاستمساك بالقرآن هو الذي ينشط المستجيب للمسارعة إلى ما في الوحي من الخير العميم، ويحميه من مواقعة مصيبة العشو عن وصايا القرآن الحكيم، التي لا تصيب إلا الكاسف المرذول، ولا تتنزل إلا على المُبْعَد المَعْدول كما في قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ» [الزخرف : 36 ـ 39 ].

وهو الذي يحفظ من إثم رفض حماه بتعدي حده الذي حده طاعة لله تعالى وتأمينا للنفس من الأنس بركوب المعاصي المستكرهة، والالتذاذ بالمخالفات المستقبحة التي جعلها من سلف سمات الشاردين، وعَدُّوها علامة الاِسْتِزْلال المبين. فعن الحارث بن قيس عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن قال له: «إنك في زمان تحفظ فيه حدود القرآن، ولا يبالون حفظ كثير من حروفه، وسيكون قوم بعدكم بزمان تحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع فيه حدوده»[11].

فمن أراد أن يكون له أجرا، ويصير له ذخرا، فعليه أن يؤدي حق أمانة الدين المضمنة في جمهور آيات القرآن الكريم التي أبتها الأكوان العاقلة العارفة بحقها، والمدركة لمقتضى مفرداتها وخطورة جزاءاتها، فتحملها الإنسان لجهالته وظلمه، ونهض بهالعجلته وهلعه،وتشوف إليها لشدة حرصه وطول أمله،ملاحظا ما فيها من عطاءات، غافلا عما فيها تبعات مؤلمات.وقد نص الله على ذلك في محكم قوله: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» [الأحزاب: 72].

ثمبَكَّتَالله المقصر في حق هذه الأمانة الغالية، وَضَعَّفَ رأي المفرط في شرط هذه المسؤولية العالية، وقضى بتخلفه عن وعي ما يَعْتَقِدُ أنه بلا عقل يهديه، ونُزُولِه عن إدراك ما لا حس له يحميه،لِمَا شهد له من الخشية لجنابه، وأذن له من الخشوع لجلاله، وقوة التصدع لتنزل آياته وبيناته،في قوله تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» [الحشر: 21 ]، وقوله ـ عز من قائل ـ : «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» [البقرة: 74].

إن أول ما ينبغي أن نستحضره في زمن الحجر الصحي المشروع، وأحق ما يلزم نستشعرهعند حلول شهر رمضان الممروع،أن النجاة في اليوم المشهود، في الاعتصام بهذا الحبل الإلهي الممدود، وأن الفلاح في التمسك بذاك السبب الرباني المنشود،الذي أحكم الله القول فيه في نطقه: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا …» [ آل عمران: 103] الجامع للباقيات الصالحات، والحاوي لكلمات الله التامات، الشاملة للهداية المرجوة،ووالقائمة بالدلالة المجلوة، المتجلية في معرفة الله بعلوه، ومعرفة صنعه في خلقه، ومعرفة مراده من بَرْئِه، ومعرفة ما يبعد عن قصده. وصدق سبحانه إذ يقول في حق خَاصَّتِهِوحِزْبِه: «اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» [ الزمر: 23].

فالنجاة في معاد الموحد مضمونة بوعد الله المُحَقَّقِ بشرطه،المستغني عن غيره،المتغني كمالا بنفسه،باسيقان إلاهيته، والتسليم لهيمنته، ووضعه في موضعه، وإصابة إعرابه، وحفظ ألفاظه، وإحكام مساقه، والخوف من نسيانه، والإيمان بمحكماته، والكف عن متشابهاته، والمَيْزِ بين ظواهره وبواطنه،والاتفاق على مراداته، والإئتلاف على غاياته، واللَّحْظِ لبركاته، والإقامة لحده وحرفه، والضبط لسكونه وحركاته، والاستحكام لنقطه وإعجامه، والإحسانلتلاوته، والبكاء لمواعظه، والاستظهار لكلماته، والفقه لسوره، والوعي لمشكله، والتدبر لآيه، والوقوف عند فصله، والتعقللأمثاله، والتصديق بأنبائه، والإقامة لحدوده، والصدقفي اتباعه،بإحلال حلاله واجتناب حرامه، والاتعاظبآمره وزاجره، والأنس بلطيف خطابه، والتفكر في شريف عتابه، والإجادة لسياسة تعليمه،والتَّشَرِّف بحمله وتحميله، والاستسعاد باقتنائه، والاغتباط برفعته، والحرص على تعاهده، والاستشفاء بسوره وآياته، والاستذكار لِقَهْرِ مِحَاله، والانتظار لخاص شفاعته؛لحاظا لمعنى قول سيدناعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: مخاطبا لأحد أصحابه: «إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه. قليل من يسأل. كثير من يعطي. يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة يُبَدُّونَ[12] أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده. كثير منيسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة. يُبَدُّونَفيه أهواءهم قبل أعمالهم[13]».

وقوله في الحثعلى تعلم القرآن وقراءته: «إن هذا القرآن مأدبة الله، فمن استطاع أن يتعلم منه شيئا فليفعل، فإن أصفر البيوت من الخير البيت الذي ليس فيه من كتاب الله تعالى شيء، وإن البيت الذي ليس فيه من كتاب الله شيء خرب كخراب البيت الذي لا عامر له، وإن الشيطان يخرج من البيت يسمع سورة البقرة تقرأ فيه»[14].

وأحسن ما يختم به فقرات هذا الخطاب،المتعلق بحق كلام رب الأرباب، وأجل ما يكرم به أمثالكم من أولي الألبابمبتغي الحق والصواب، قول أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب المُهاب: «أيها الناس إنما كنا نعرفكم إذ ينزل الوحي، وإذ النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وإذ أنبأنا الله من أخباركم، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد كان يخيل إلي أن ناسا يقرءون القرآن، وهم يريدون الله وما عنده، وقد خيل إلي بأخرة أن أناسا يقرءون القرآن يريدون الناس وما عندهم، ألا فأريدوا الله بقراءتكم وأعمالكم، ومن أظهر منكم خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم شرا ظننا به شرا واجتنبناه عليه, سرائركم بينكم وبين ربكم[15]».

والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــ

[*] المراد بالتغني الاستغناء به عن غيره من الكلام البشري.

[2]قال الراغب الأصفهاني: في الحديث: «لا تجعل القرآن مَاحِلًا بنا»، أي: يظهر عندك معايبنا المفردات في غريب القرآن ص: 762

[3]عبد الرزاق في المصنف 3/372، وابن أبي شيبة 6/131، وانظر الزهد لأحمد بن حنبل ص: 128، وفضائل القرآن لابن الضريس ص:  58، وأبو نعيم الأصبهاني 4/108، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا.

[4]فضائل القرآن للفريابي ص: 128

[5]مسند أحمد 23/144، وسنن أبي داود برقم 830، واللفظ له ،وفضائل القرآن للفريابي ص: 224، والبيهقي في شعب الإيمان 4/204

[6]أحمد في المسند 24/288،واللفط له ، وأبو يعلى في المسند 3/88،  والطحاوي في شرح مشكل الآثار 11/109، والطبراني في الأوسط  3/86، والبيهقي في شعب الإيمان 4/194.

[7]البخاري برقم 7527

[8]معالم السنن 1/291

[9]فضائل القرآن ص 114

[10] ابن أبي شيبة 6/125 وابن حبان 1/329

[11]فضائل القرآن لابن الضريس ص: 26

[12]قال أبو الوليد الباجي: الأعمال هاهنا وإن كان اللفظ واقعا في أصل كلام العرب على كل عمل من بر وفسق إلا أن المراد به هاهنا البر وهذا يقتضي إطلاقه في الشرع ،ومعنى ذلك أنه إذا عرض لهم عمل بر وهوى بدءوا بعمل البر وقدموه على ما يهوونه. المنتقى 1/309

[13]الموطأ 1/173

[14]المصنف لعبد الرزاق 3/368، وفضائل القرآن للفريابي ص: 152، والمعجم الكبير للطبراني 9/129

[15]فضائل القرآن للفريابي ص: 242

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M