حينما تصبح العبادة عادة لا روح فيها

هوية بريس – د.رشيد بن كيران
يركع… يسجد… يرفع يديه بالدعاء… لكن في أعماقه، لا شيء يتحرك.
يمضي من صلاة إلى أخرى، ومن رمضان إلى رمضان، ومن عمرة الى أخرى، ومن مجلس ذكر إلى آخر، ومن دورة علمية إلى أخرى… وكأن الزمن يدور حول جسد يؤدي حركات محفوظة، لا روح فيها ولا يقظة.
كم من الناس يعبدون الله، لكن لا يتغير شيء في داخلهم!
لا تتهذب نفوسهم، ولا ترقى قلوبهم، ولا يرتفع منسوب الصدق أو الأمانة أو الرحمة… في حياتهم.
كأن العبادة عندهم باب يطرق ثم يغلق، دون أن يفتح نور في القلب أو ينزل أثر في السلوك.
وقد قال الله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}. [العنكبوت:45].
فالصلاة الحقيقية تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتشعل في النفس وازعا من التقوى، وسراجا من الذكر الحي الذي يوقظ الغافل، ويحيي القلب الميت.
وإذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإن ذكر الله فيها هو أعظم من النهي نفسه، لأنه جوهر العبادة وروحها ومقصدها الأعلى.
العبادة ليست طقوسا تؤدى لتسكين الضمير، بل لقاء حي مع الله يصلح الداخل، ويشعل في الروح وهجا لا ينطفئ.
فليُسائل كل واحد منا نفسه:
هل صلاتي تنهاني فعلا عن الفحشاء والمنكر؟
وليس الصلاة هي وحدها محل الاختبار!؟
بل كذلك الأمر نفسه في الصيام… في الذكر… في تلاوة القرآن.. في عموم العبادات
فهل أخرج من العبادة أنقى مما كنت؟
هل ذكر الله حاضر في قلبي؟
أم أنني أتحرك بجسد غائب عن المعنى؟
العبادة الحقة تغيرك… تصقلك… تفتح بصيرتك… تعطيك حلاوة الإيمان…
وإن لم تفعل، فقد تحولت للأسف إلى عادة، وفاتك سر العبودية، وفرطت في منزلتها، وما أعظمها من منزلة.