خطبة الجمعة الموحدة.. بين الشعارات المعلنة والممارسات الواقعية

19 مايو 2025 18:22

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

◆ بدأ تنفيذ خطة “تسديد التبليغ” في الخطاب الديني الرسمي على أساس أنها تجربة أولية، تستهدف عددا محدودا من المساجد النموذجية لا يتجاوز أربعة مساجد حضرية في كل مدينة ومسجدا واحدا في المجال القروي.

وقد رُوج للخطة كبرنامج تجريبي يمتد لثلاثة أشهر، يتضمن خطبا موحدة ترافقها مواعظ إرشادية ومكملة، على أن يعقب مشروع الخطة كله تقييم ونقد وتصويب. هكذا قيل لنا وللرأي العام، بل سطر ذلك في كتب مؤطرة للمشروع موجودة على موقع وزارة الأوقاف.

◆ غير أن المعطيات الميدانية كشفت عن مسار مغاير لهذا الإطار المعلن؛ فبعد شهر واحد فقط من انطلاق البرنامج، بدأت وزارة الأوقاف، على لسان وزيرها، في الضغط العلني باتجاه تعميم الخطبة الموحدة على جميع الخطباء، بل ووصم من لا يلتزم بها بوصف المرضى الذين يحتاجون إلى علاج!!؟

وهو توصيف يثير جملة من التساؤلات حول منطق السلطة الدينية ومرجعياتها في ضبط الخطاب الديني التابع للمساجد.

◆ ويزداد الأمر مفارقة حين نعلم أن هذا المرض وهؤلاء المرضى، حسب تصريحات الوزير، يتمثل في رغبة الخطيب في أن يبقى فاعلا متفاعلا مع واقعه ومجتمعه، لا مجرد قارئ لنص مكتوب مسبقا من طرف جهة إدارية.

وهو مرض -حسب هذا المنطق- يتمثل أيضا في رفض الخطيب تعطيل وعيه وإلغاء حسه الوجداني التواصلي مع الحضور، بما يُحول الخطبة إلى خطبة وموعظة فاقدة للروح والفعالية.

◆ وهنا يطرح سؤال محوري: هل هؤلاء الخطباء فعلا مرضى، أم أن المرض الحقيقي يكمن في تحويل منبر الجمعة إلى أداة تلاوة جامدة، وإفراغ وظيفة الخطابة من بعدها الديني الحقيقي ومن مسؤوليتها التكليفية التعبدية ومن الحس الاجتماعي الحي؟

◆ الأدهى من ذلك أن المجلس العلمي الأعلى أو مجلس العلما، الذي قُدم للرأي العام باعتباره الجهة الوصية والمرجعية الشرعية الموجهة لخطة تسديد التبليغ، يصرح في موقعه الرسمي أن الخطبة الموحدة لا تعدو أن تكون مقترحا غير ملزم… ما يضعنا أمام تناقض صارخ بين التصريحات الوزارية والموقف المؤسسي للمجلس، ويثير الشك حول من يمتلك فعليا سلطة القرار العلمي في هذا المجال: أالوزير أم مجلس العلما!!؟

ومشروع من هذا خطة تسديدالتبليغ…: أالوزير أم مجلس العلما!!؟

ومَن يقود مَن: هل العلم أم العصا!!؟

◆ ومؤخرا في هذا التسجيل أسفله، بلغ التصعيد مداه عندما وصف الوزير الخطباء، الذين لا يتجاوزون -بحسب إحصائه- نسبة 3% من مجموع الخطباء الذين لا يلتزمون الخطبة الموحدة، بأنهم خوارج!!؟

وهو نعت خطير ذو حمولة دينية وتاريخية ثقيلة، استخدم في السنة النبوية والتراث الإسلامي لوصف جماعة مارقة عن الدين، وشر قتلى تحت أديم السماء، لأنها حملت السلاح على أبرياء هذه الأمة وعتت فيهم قتلا وتشريدا وزرعت في المجتمع فتنة عظيمة.

فهل يرى الوزير فعلا في هؤلاء الخطباء -فقط لعدم التزامهم بنص الخطبة الموحدة الضعيفة- خصوما دينيين يستحقون الإقصاء وربما ما هو أكثر من ذلك؟

وألا يرى الوزير نفسه أنه ظالم متجبر مستبد برأيه!!؟

وهل يشاطر مجلس العلما الوزير في رمي هؤلاء الخطباء الشرفاء بالخوارج؟

إن هذا الخطاب المستفز والمليء بالحقد والعلو والاستبداد يكشف عن طبيعة المشروع الحقيقي لخطة تسديد التبليغ؛ مشروع لا يمت بصلة لمقاصد البلاغ القرآني ولا لروح الخطاب الديني في الإسلام، بل يبدو أقرب إلى مشروع بوليسي وضبط أمني للمجال الديني، يهدف إلى تأميم المنبر وتوجيهه وفق منطق السلطة المستبدة، لا منطق المصلحة الشرعية أو الاجتماعية. بل ويغذي نزعة نحو علمنة مضادة، كما صرح بها الوزير نفسه في لحن القول؛ فتجعل منه أو من مريديه الخطبا والتابعين لنهجه ندا للضمير الديني المستقيم، إن لم نقل بديلا عنه.

◆ في المحصلة، يظهر أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الخطباء الرافضين للخطبة الموحدة، بل في من يسعى إلى قولبة التدين وتحنيط الخطاب، وتجريد منبر الجمعة من حيويته ودوره الشرعي الحقيقي، لأجل صناعة تدين شكلي، يرقص ولا يقص، يخدم رؤية سلطوية محددة، أكثر مما يخدم رسالة الدين ومقاصد الشريعة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
19°
24°
أحد
25°
الإثنين
22°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M