“خطبة جمعة” أم درس في “مادة التربية على المواطنة”؟!

هوية بريس – عبد الله العبولي
لا أنسى ذلك اليوم الذي كنت فيه جالسا في قسمي أتابع أحد الدروس المشوقة في مادة التربية على المواطنة التي كنت اعشقها في الصف السابع، تلك المادة التي أحببتها نظرا لبساطتها وسهولة جمع النقاط فيها، وكتلميذ يحب جمع النقاط السهلة، كنت دائم التركيز مع الأستاذ فيها، أركز مع كل كلمة تخرج من فمه، ويال جمال شرحه ودقة أوصافه وروعة أسلوبه، فقد كانت تلك الحصة تشحنني بالطاقة وحبّ العمل، لا أشعر أنني نفس الشخص الذي دخل عندما يحين وقت الخروج، فكنت أجيب على كل سؤال يطرحه، وأعرّف المفاهيم التي يطلب تعريفها، لكن كان مجهودي بلا فائدة تقريبا، فحتى من لم يفعل ما أفعله حصل في النهاية على درجات تقاربني، بل منهم من تفوق علي، لأنها وببساطة مادة سهلة لا تستحق ما كنت أبذله لأجلها.
لكن في أحد الأيام، دخلت القاعة متأخرا على غير العادة، ثم توجهت إلى مقعدي وأخذت أستمع بإمعان، وأتابع الدرس بشغف بدأ يقل تدريجيا مع كل جملة تخرج من فمه، وعلى غير العادة… بدت لي الكلمات التي تخرج من فمه كأنها تطلب النجدة كما يفعل من يحترق منزله، كان كلاما لا يمت بصلة للمادة التي يدرسها، مصطلحات تبعث على القشعريرة والتقزز رغم جمال تنسيقها وإحكام السجع فيها، تشعر وكأنها عبارات جميلة المظهر فقيرة المعنى، تضيف رنة في الأذن غصة في القلب، لم يبد لي الأستاذ حينها كذلك الأستاذ الذي رأيته أول مرة يشرح درسه المتمكن منه الضابط لمفاهيمه، بل بدا وكأنه يملي علينا من ورقة مكتوبة شيئا هو بنفسه لا يستصيغ قوله ولا يستحمل تلفظه، كمن يقرأ ورقة مكتوب عليها حكم بالإعدام على حبيبه، وحتى نظراته اثناء الدرس كانت مليئة بالاشمئزاز وعدم الرضى عن النفس، شعرت بذلك، ثم التفت لأرى ما إن كان أحد التلاميذ يشاركني الشعور ذاته، التفت يمينا وشمالا، فلم أجد سوى قلة ممن يتابعون الدرس، أما الأغلبية فقد كانوا نائمين، وحتى أولئك الذين كانوا مهتمين، كانوا فقط منبهرين بجمال اللغة غير مبالين بفقر المعاني وركاكتها.
ملأ الغضب أحشائي كوجبة لم أستطع أن أهضمها وأنا أشاهد مادتي المفضلة يتم التنكيل بها والإضرار بمعانيها وهتك عرضها، ولكن من سأشكو له غضبي بنفسه كان في حاجة لينفس عن غضبه، فخرج دون توديعنا وتوجه للإدارة معترضا، فتم توقيفه ووصفه بالخارجي الذي لا يرضى بالدروس التي تأتي من الإدارة رغم أن أسلوبها متقن وكلماتها موزونة، جاهلين أن قبحها في جمال ألفاظها، فما فائدة جمال الألفاظ والمعاني تشكو إلى ربها ظلم جمال ألفاظها؟
في الوقت ذاته وفي أقسام أخرى خرج التلاميذ غير ملاحظين أو ربما غير مهتمين للتغيير الذي حصل، كانت بالنسبة لهم مجرد حصة كأي حصة أخرى من حصص هذه المادة، كنت لألومهم، لولا أنني رأيت أساتذتهم الذين يُدرسون المادة نفسها لا يشعرون بأي أسى، بل ويتحدثون عن الموضوع بترحيب غريب حتى أنني سمعت أحدهم يقول لصاحبه بفمه المفتوح الذي تشعر وكأن أسنانه تشعر بالخزي والعار من كلامه وتريد الفرار “انظر إلى روعة الأسلوب ودقته، يا رجل تشعر وكأن كل كلمة في مكانها، أراحتنا الإدارة من تحضير الدروس على طول السنة شكرا لهم، جعلتنا مجرد قراء”.
وهنا تساءلت: كيف لقرار جعل أستاذي في غاية الغضب وتم توقيفه بسبب غضبه، هو نفسه جعل هؤلاء الأساتذة أو أشباه الأساتذة فرحين ومسرورين؟ تأملت طويلا دون فائدة فلم أجد جوابا… ثم استسلمت عن محاولة ايجاد الجواب…
ومنذ ذلك الحين وأنا أحضر دون شغف.. فقط لأسجل حضوري ولكيلا تتم معاقبتي، تماما كحال “خطب الجمعة الموحدة” اليوم.