“خطة تسديد التبليغ”.. هذا موضوع “الخطبة الموحدة” اليوم الجمعة

هوية بريس – متابعة
خصص المجلس العلمي الأعلى في إطار “خطة تسديد التبليغ” خطبة منبرية موحدة في موضوع “معجزة الإسراء والمعراج” اليوم الجمعة 23 رجب 1446هـ، الموافق لـ: 24 يناير 2025م.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى، نحمده تعالى على أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة إيمان ويقين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المؤيد بالمعجزات الظاهرة من رب العالمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، وعلى التابعين لهم في كل وقت وحين.
أما بعد، أيها المؤمنون والمؤمنات
نستقبل هذه الأيام نفحة من نفحات هذا الشهر المبارك؛ ومنحة من المنح الربانية المتجلية في كمال شرف سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم.
إنها معجزة الإسراء والمعراج التي تعد من أشهر المعجزات، وأظهر البراهين البينات الواضحات، وأقوى الحجج المحكمات، وأصدق الأنباء، وأعظم الآيات، وأتم الدلالات الدالة على تخصيصه-صلى الله عليه وسلم-بعموم الكرامات[1]. لما اشتملت عليه من الأمور الخارقة للعادة تقصر العقول عن إدراك مثلها. قال الحق سبحانه وتعالى في شأنها:
﴿سُبْحَٰنَ اَ۬لذِےٓ أَسْر۪يٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلاٗ مِّنَ اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْحَرَامِ إِلَي اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لَاقْصَا اَ۬لذِے بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنَ اٰيَٰتِنَآۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ﴾.[2]
وقال جلت عظمته:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَو۪يٰ، مَا ضَلَّ صَٰحِبُكُمْ وَمَا غَو۪يٰ، وَمَا يَنطِقُ عَنِ اِ۬لْهَو۪يٰٓ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٞ يُوح۪يٰۖ، عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ اُ۬لْقُو۪يٰ، ذُو مِرَّةٖ فَاسْتَو۪يٰ، وَهُوَ بِالُافُقِ اِ۬لَاعْل۪يٰۖ، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلّ۪يٰ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوَ اَدْن۪يٰۖ، فَأَوْح۪يٰٓ إِلَيٰ عَبْدِهِۦ مَآ أَوْح۪يٰۖ، مَا كَذَبَ اَ۬لْفُؤَادُ مَا ر۪أ۪يٰٓۖ، أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَيٰ مَا يَر۪يٰۖ، وَلَقَدْ ر۪ء۪اهُ نَزْلَةً ا۟خْر۪يٰ، عِندَ سِدْرَةِ اِ۬لْمُنتَه۪يٰ، عِندَهَا جَنَّةُ اُ۬لْمَأْو۪يٰٓ، إِذْ يَغْشَي اَ۬لسِّدْرَةَ مَا يَغْش۪يٰۖ، مَا زَاغَ اَ۬لْبَصَرُ وَمَا طَغ۪يٰۖ، لَقَدْ ر۪أ۪يٰ مِنَ اٰيَٰتِ رَبِّهِ اِ۬لْكُبْر۪يٰٓۖ ﴾.[3]
عباد الله؛ إن معجزة الإسراء والمعراج كما ساقها القرآن الكريم تزيد في قوة إيمان أهل التوحيد ، وتجعلهم أكثر إقبالا على الله تعالى بالعمل الصالح ، وذلك ما جعل العلماء يتذكرونها ويذكرون بها الناس ، لتحيى بها قلوبهم ،وتسموا بها أرواحهم ، وتزكوا بها نفوسهم ،وترتقي عن حب الشهوات واتباع الهوى ، وهذا جوهر خطة تسديد التبليغ التي يقوم بها العلماء ، مصداقا لقول الحق سبحانه:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَي اَ۬لنَّفْسَ عَنِ اِ۬لْهَو۪يٰ، فَإِنَّ اَ۬لْجَنَّةَ هِيَ اَ۬لْمَأْو۪يٰۖ ﴾.[4]
وعلى هذا الأساس نستفيد من معجزة الإسراء والمعراج أمورا منها:
أنها إيواء للرسول ﷺ بعد المحن التي طرأت عليه بموت نصيرين كبيرين، وسندين قويين له، زوجه خديجة رضي الله عنها، وعمه أبو طالب، ويأتي فقدهما في وقت متقارب ضاعف من آلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وزاد من أحزانه وهمومه، فآواه الله إليه تثبيتا لفؤاده، وتقوية لعزمه على مواصلة دعوته، ولم ينل ذلك منه، ولا صرفه عن رسالته.
عباد الله يلاحظ أن الرحلتين الإسرائية والمعراجية كان منطلقهما مسجد، الأولى؛ من المسجد الحرام، والثانية؛ من المسجد الأقصى ومن جملة ما أوحى الله به إلى نبيه ﷺ في هذه الرحلة المباركة خمسين صلاة يصليها هو وأمته بين اليوم والليلة، ثم خففها سبحانه حتى كانت خمسا في الفعل وخمسين في الثواب، وذلك فضلٌ من الله تعالى ومنة ومكرمة لهذه الأمة المرحومة، وفرض الصلاة في المعراج إشارة إلى الحكمة التي من أجلها شرعت، ليعرج المؤمن بروحه وقلبه إلى ربه خمس مرات في اليوم، يترفع بذلك عن أهوائه وشهواته، ويجد لصلاته ثمرات في نفسه ومحيطه وسائر أحواله فيكون المسجد بهذا المعنى في حياة المؤمن أساس الإيمان ومنطلق العمل الصالح.
ألا فاتقوا الله عباد الله واعرفوا فضله وآلاءه عليكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.