درس أربعين سنة

هوية بريس – بلال التليدي
بعد أربعين سنة من الانخراط في العمل الفكري والانتظام الحركي والسياسي، أصبحت مقتنعا أن مهمة المثقف أن يقول كلمة نزيهة تنتصر للحقيقة بغض النظر عن موقعه وارتباطاته وتحيزاته.
هناك اليوم من يريدك أن تكون معارضا للسلطة، وهذا هو الوضع الطبيعي للمثقف، قبل أن تهجم موجة التقنوقراط ويتساقط الثوريون على أبواب النخب يريدون متاعا من الدنيا قليل، ولكن هؤلاء الذين يرجونك مصارعا للسلطة، يريدونك في الواقع، أن تصبح مجرد أداة في يد نخبة، تختصر دورك في دعم القيادة والدفاع عن كل كلمة تخرج من عبقريتها، فلا يبقى لك عقل تفكر به إلا أن يكون في المعركة. معركة النخبة، أو بالأحرى رهان قيادتها، لا معركة الحقيقة أو الشعب.
انتهى هذا الدور في كل النخب، ومن تبقى من المثقفين، في نخب الإسلاميين سائر للانقراض.
مرت أربعين سنة فقط لأفهم أن شرف المثقف ونبله ورفعته ومكانته هي في استقلالية الرأي، وحرية الفكر، ونزاهة الموقف، والتحيز للعدالة والحق، والبعد عن منظومة الولاء، والزهد في المتاع، والإقبال على ما عند الله، ولو كان قليلا. فربّ رزق قليل ببركة، خير من خسارة الدنيا والآخرة.
هكذا عرفناك وخبرناك مثقفا مناضلا . تلفظ الحق ولو كان مر المذاق لسامعه . عزفت عن التزلف في السياسي ومحصت الصواب في الحركي وعشت شريفا وذا همة علمية عالية لا ترجو بها غير خدمة هذا الوطن الغالي ونصرة للمظلومين والمستضعفين . زادكم الله ثباتا وبسطة في العلم والعافية .