روحانيات لا إيمانية ونظائرها.. من مقالة “القواعد من العلماء” بتصرف

02 فبراير 2025 22:52

هوية بريس – ذ.ادريس ادريسي

الحمد لله الذي أفاض على العارفين بأنوار أسراره وخص الصادقين بمفاتح وحيه وأخباره والصلاة والسلام على نبي الرحمة ورسول السلام وعلى آله وصحبه أعلام الهدى ومصابيح الدجى و من سار على هديهم واقتفى أثرهم من الصالحين والأخيار ماتعاقب الليل والنهار.

وبعد؛

القواعد من العلماء؛ فئة من أهل العلم ممن يحفظون القرآن ومعه عشرات من المتن والحواشي وغيرها من نظم الشعر وفنون العلم ويحملون في ذلك الشواهد الفاخرة والألقاب الباهرة؛ لا تكاد تجد لأكثرهم حسا ولا تسمع لهم ركزا ولا تعلم لهم قولا ولا رأيا فيما يجري حولهم من الفتن المتلاطمة و النوازل المتعاظمة والحوادث المتفاقمة التي تعيشها الأمة المحمدية وتكابد مشقتها الجموع الإسلامية؛ حالهم في ذلك أشبه بالقواعد من النساء اللائي قعدن عن الولادة والزواج بعد تقدمهن في العمر حتى ماعاد أحد يشتهي الزواج بهن أو ينتظر الولد منهن؛فكذلك الحال بالنسبة لهذه الفئة التي أخلد أصحابها إلى الأرض وركنوا إلى الدنيا وأخلوا بمهمة البلاغ وضيعوا أمانة البيان حتى ماعاد أحد من الناس يشتهي كلامهم أو ينتظر بيانهم أو يأمل خيرهم أو يرجو نفعهم؛ مثل أكثرهم (كمثل الحمار يحمل أسفارا) فلا هم انتفعوا بالعلوم التي عندهم ولا نفعوا بها غيرهم وباتت هذه الفئة من العلماء كلاٍّ على الدين وفتنة لأبناء المسلمين؛ ويمكن حصرها في أربعة أصناف وهي:

الأول: صنف باع دينه بدنياه وحرف شريعة ربه ومولاه مقابل حطام من الدنيا زائل أو طمع في منصب عند المشغلين والزبائن، والحق أحق أن يقال أنه قبل أن يقلد أبناؤنا أبناء أهل الكتاب في لباسهم ومشيتهم ويشاركونهم الفرح بأعيادهم ومناسباتهم، سبقهم فئام من علمائنا إلى التقليد فباعوا دينهم بثمن زهيد سيرا على نهج الأحبار واقتفاء لأثر الرهبان الذين قال الله عزوجل فيهم: (إن كثيرا من الأحبار والرهبان لياكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن السبيل) وإذا فسد الرأس فلا نسأل عن بقية الجسد (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)؛ وضمن هذا الصنف يدخل علماء روحانيات لا إيمانية والمبررون لكل ماتمليه نظم الغرب العلمانية؛ وحسبنا في ذم هذه الفئة والتحذير منها قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث

الثاني: الأسود المتعصبة للمذاهب التي توقد من حين إلى آخر نار حروب وهمية ومعارك صورية في قضايا جزئية وأخرى هامشية لم يتفق عليها الأوائل بما لهم من علم وصدق وإخلاص فالتمسوا لبعضهم الأعذار واشتغلوا بما يصلح أحوال أهل الدار ومعالجة ما يحدث في عصرهم من النوازل والنوائب والأكدار إلى أن خرج علينا سفهاء الأحلام من الصغار والأقزام ممن أراد أن يجمع الأمة على رأي واحد يوافق هواه ويحقق مسعاه يجند لذلد الأتباع ويحرض من أجله الرعاع؛أوقات معاركهم باتت محفوظة ومعروفة (المسح على الجوارب/زكاة الفطر /صيام عرفة…) وطريقة كلامهم باتت مكشوفة ومفضوحة؛يلعنون بعضهم ويسبون مخالفهم يقاتلون قتال الأسود ويناظرون خصومهم مناظروة إبراهيم للنمرود حتى إذا وضعت الحرب أوزارها وأطفأ انتهاء المناسبة نارها عادوا إلى النوم والسبات وأخلدوا إلى الأرض والفتات مخلفين من ورائهم جروحا لا تندمل وكسورا لا تنجبر؛ وأما النوازل الكبرى التي تذهب بالدين وتعصف بجماعة المسلمين فالحديث فيها عندهم سبب في الهرج والفتنة وعلامة على قلة الذكاء و الفطنة؛

الثالث: فئة العلماء الصامتين -مع انتفاء الأعذار والموانع- الذين لبَّس عليهم الشيطان فزين لهم السكوت والخذلان حتى توهموا أن ما هم عليه عبادة ودين وقربة من رب العالمين؛ استبدلوا الدين بالطين وحرفوا لأجل ذلك شريعة المسلمين لا يرمي أحدهم بسهم في الإسلام إلا إذا تيقن من وجود مكاسب مادية ومصالح دنيوية، فإن ظهر لهم عكس ما أرادوا أو بدا لهم غير ماطلبوا نكصوا على أعقابهم وجعلوا أيديهم على أفواههم مدعين في ذلك بُعد النظر وفقه المآل والتحلي بالحكمة وجميل الخصال والحقيقة أنهم إنما أرادوا إخفاء فساد منهجهم وانحراف مذهبهم قال تعالى مبينا حالهم وكاشفا أسرارهم: (سماعون للكذب أكالون للسحت) أي أنهم يسمعون الكذب ويقرونه بسكوتهم ويرون الباطل ويشرعنونه بصمتهم وخذلانهم؛سلامتهم مقدمة على سلامة المبادئ والدين ونجاتهم دونها هلاك عموم المسلمين؛

الرابع: المكثرون في دروس الزهد والرقائق المتعمدون الإعراض عن الخوض في النوازل والحقائق؛ الذين يجترون ما سبقوا إليه من كلام ويكررون ما يحفظونه من الخطب على مدار المناسبات والأعوام دون نقص أو زيادة أو حسن ربط بالواقع به تتحقق للإسلام الريادة؛ مستخفّين بعقول الناس العامة منهم وأهل الاختصاص؛ والحقيقة الذي يتجاهلها هؤلاء أن الإسلام رقائق تلين لها القلوب وحقائق تستنير بها العقول ولوكانت الدعوة محصورة في الأولى ما وجد للدين أعداء ولا للحق خصوم ألدّاء ولكان أبو جهل حاملا للواء الإسلام وقارون ممولا لدعوة موسى عليه السلام، ولكنها الثانية الخافضة والرافعة الكاشفة والفاضحة؛ بسببها ابتلي الرسل والأنبياء وامتحن الصادقون من الدعاة و العلماء الذين بارزوا أهل الباطل في نواديهم ودافعوا أهل الزيغ بألسنتهم وأيديهم متمسكين في ذلك بفقه السنة والكتاب وآخذين بما استطاعوا من أسباب.

وفي مقابل هذه الأصناف الأربعة؛ توجد فئة العلماء الربانيين والدعاة الصادقين من حملة الكتاب وورثة سر الأصحاب
الذين يبلغون رسالة الله للناس بلا تحريف ولا تبديل وفق رؤية مقاصدية تراعي التدرج في الإصلاح والنظر إلى المآل والموازنة بين المصالح والمفاسد وغيرها من القواعد التي تضمن التنزيل السليم للشريعة الإسلامية على واقع الناس وبما يحفظ الثوابت الدينية والوطنية للمملكة؛ هذه الفئة من العلماء وجودها بين الناس ضرورة ملحة وحاجة أكييدة؛ إذ لا يقوم الدين إلا بهم ولا تعقد راية الحق إلا تحت إشرافهم ولا يستقيم أمر الجماعة إلا بنصائحهم وإرشاداتهم؛ الذين يلجأ إليهم في النوائب ويفزع إليهم في النوازل والمصائب؛ فيتحقق بوجودهم خلود الشريعة وصلاحية الإسلام لكل العصور والأزمان قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا).

وبلدنا الحبيب حباه الله بالكثير من هؤلاء العلماء الذين أضاؤوا الدنيا بعلمهم وأناروا طريق الأنام بفقههم؛ نعلم منهم ثلة من الصادقين ويخفى عنا منهم جماعة من الربانيين والصالحين؛ حجبهم الورع والانشغال بتكوين الفقهاء والأعلام عن الظهور في الشاشات و الإعلام.

تنبيه هام:

العلماء الذين أجمعت الأمة على عدالتهم وتلقت علمهم بالقبول وجب احترامهم والتأدب معهم وإحسان الظن بهم والتماس الأعذار لهم؛ والحديث في هذه المقالة عن المنهج المعتمد في الدعوة لا عن علماء بأسماء معينة.

والله الموفق للصواب؛ وصل اللهم وبارك على سيدنا ونبينا محمد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M