زَلَّةُ بَنْكِيرَان..!

هوية بريس – صالح أيت خزانة
المتصهينون العرب عموما، والمغاربة على وجه الخصوص، ليسوا كل الشعوب، ولا معظمها، ولا نصفها، ولا ثلثها؛ هم فقط قلة قليلة لا تكاد تحصى بمنطق الإحصاء السكاني. فهم قلة قليلة جدا، ولكنها قلة تثير الكثير من الشغب، والصراخ، وتفكر، من وراء الشاشات، والغرف المغلقة، ومن داخل الصالونات النخبوية، بصوت مرتفع. كما أنها تملك الكثير من وسائل البروباكوندا والدعاية، والمال، والسلطة، بل تتقن لعبة الوجوه المتعددة، في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال الدخول بأسماء كثيرة للتأثير على الرأي العام الذي ينساق، للأسف، نحو الأكثرية العددية، وإن جنحت عن السبيل، وضلت الجادة. فتجد الواحد منهم يعلق بأسماء كثيرة، في تأييده للفكر الصهيوني الخارجي، وفي الرد على مناصري القضية، وتتبع عوراتهم الفكرية والسياسية، بما يوحي، للمتابع غير النبيه، أن هذا الكلام هو كلام الأغلبية، فينساق خلفه، يردده، حتى تتسع مساحتهم، ويظن الجاهل أنهم على حق لأنهم كثير، وأن دعاة النصرة هم قلة شاردة يعادون الوطن، والملك، والدين،…!!
لقد كثر، في هذه الأيام، خروج هذه الكائنات مع هبات المغاربة التي لم تكُفَّ يوما لأجل الأقصى وفلسطين. وأخذت تشوش على نضال الشعب المغربي من أجل القضية الثانية له بعد القضية الوطنية الأولى. وهو الأمر الذي تزامن مع غضب العدو الصهيوني من المسيرات المناهضة لإجرامه، والتي حولت المغرب إلى ساحة للرفض، والمغاربة إلى مناصرين من الدرجة الأولى. فكان لا بد من تحريك هذا الفتات المتصهين لمجابهة المد الشعبي للمغاربة الرافضين للعدوان، والذي بلغ ذروته مع المسيرات المليونية الأخيرة، التي شارك فيها كل ألوان الطيف السياسي، والفكري، والإعلامي، والثقافي. فكانت رسالة قوية للصهاينة في الداخل والخارج سواء، مفادها أن المغاربة قد اختاروا الطريق “الصح”، وأن الصفوف قد تزايلت إلى صفين لا ثالث لهما: صف مع المقاومة وتقرير المصير الفلسطيني، وصف مع العدو الغاصب.
فاختارت الأغلبية العظمى من المغاربة الصف الأول. مما أغاظ العدو وبيادقه، وأسقط في أيديهم، وجعلهم يفتشون عن مواطئ سقوط يشعلون منها الرأي العام الوطني، حتى كانت خرجة بنكيران، خلال مداخلته يوم فاتح ماي، والتي اتهم فيها هذه الفئة القليلة بالميكروبات والحمير !!. وهي السُّبَّة التي “أسعدت” هؤلاء، حتى قالوا، خلال احتفالية داخل صالوناتهم المخفية: “طاحت ولقيناها !”(سقطت ووجدناها).
لتنطلق حملة إعلامية؛ فيسبوكية، وتيكتوكية ، ويوتوبية،.. تتهم الرجل بسبِّ المغاربة، كل المغاربة (!)، والتنقيص منهم. والحقيقة أن سياق كلامه غير ذلك بالمطلق. بل الذين قصدهم بهذا السب، الذي لا نوافقه عليه إطلاقا لاعتبارات سياسية، وأخلاقية، و”كريزماتية”، وحتى دينية لا داعي لسردها هاهنا، هم هذه الفئة المجهرية التي لا تمثل إلا نفسها. والتي جنحت، عبر البروباكاندا الإعلامي الواسع، إلى توهيم المغاربة بأن الرجل يقصدهم. والحقيقة أن بنكيران كان واضحا في توجيه الخطاب، بطريقته المعهودة، إلى هذه الفئة وليس سواها.
ومن يراجع شريط الفيديو من أوله إلى حيث تلفظ بهذه العبارات، سيفهم أن مقصوده هم من اختاروا الارتماء في أحضان قتلة الأطفال، والنساء، والشيوخ، وليس عامة المغاربة الذين لم يكف الرجل، يوما، عن شكر صنيعهم، والإشادة بانخراطهم اللامشروط في نصرة القضية.
لقد أثبتت هذه الحادثة العابرة أن بيت هذه الفئة الشاردة أَوْهَنُ من بيت العنكبوت. وأن ألاعيبها القاصدة إلى توهين عزيمة المغاربة الأحرار في نصرة إخوانهم في فلسطين، ستبقى مكشوفة، ومضحكة، تثير أطفال المغاربة الذين تقدموا المسيرات بالآلاف يحملون صور إخوانهم أطفال غزة الشهداء، والمصابين، قبل رجالهم !!
لهؤلاء نقول: إن كانت لكم مشكلة شخصية، أو سياسية مع السيد بنكيران، وحزبه، فدونكم ساحات المقارعة الحزبية، والسياسية، وكفاكم ركوب ظهر المغاربة، والحديث باسمه. فلا أنتم، ولا بنكيران، ولا حزبه، تمثلون المغاربة الأحرار. فالمغاربة، المسلمين وغير المسلمين، حينما يناصرون القضية يناصرونها من موقع الواجب الديني، والأخلاقي، والإنساني. وليس من الموقع الحزبي، أو السياسي، أو الانتمائي الضيق. وحينما يخرجون في المسيرات، أو يساندون إخوانهم عبر التبرعات وما شابه، يفعلون ذلك استجابة للوازع إياه، وليس لدعوة فلان أو علان من زعماء الأحزاب، أو من التنظيمات الحزبية، أو النقابية، أو الجمعوية،…فكفى ركوبا على القضية ومناصريها الأحرار. وكفى متاجرة بالدماء والذمم !.
الشعب المغربي أكبر من الأحزاب، وأكبر من التنظيمات السياسية، والنقابية، والدعوية، والجمعوية. فهو كتلة واحدة لا تباع ولا تشترى. وعند المدلهمات، والمصائب، والحروب، تجده جسدا واحدا يصنع المعجزات، ويثير إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء. فاسألوا عن حراكه الإنساني الذي أذهل العالم أيام الزلزال، واسألوا عن نضج هبته الاحتجاجية يوم 20 فبراير. فلا تحاولوا العبث بذكائه، ولا تحاولوا الركوب على زخمه العنيد، فلن تبلغوه طولا، وإن حاولتم!.
وأخيرا، وبالعربية تعرابت: ” قيلو عليكم المغاربة”!.
دمتم على وطن.. !