صناعة الأتباع

12 أبريل 2025 18:33

هوية بريس – د.رضوان العابدي

تعد صناعة الأتباع وتربيتهم ركيزة أساسية داخل أي تنظيم، بل لا وجود لتنظيم بدون أتباع، لذلك يحاول القادة عند توليهم المسؤولية في مؤسسة ما إعادة إنتاج وصناعة أتباع موالين وخاضعين لهم، حفاظا على مناصب ومسؤوليات من جهة وضمانا لاستمرار يتهم من جهة أخرى.

وهذا الأمر ليس بالسهل عند قادة التنظيم، فهم يحاولون تربية أتباع يدينون لهم بالولاء التام والطاعة العمياء لأوامرهم وتوجيهاتهم بعد غسل أدمغتهم، فيصبح التابع مع قائده كالميت بين يدي مغسله، لا يخرج عن أوامره وأحكامه، بعبارة أخرى فالقائد يصنع أتباعه مثل الصانع المبدع الذي يصنع إنسانا آليا (الروبو) يتحكم فيه ويوجهه كما أراد، أو يسوقه كما يسوق الراعي البهيمة التي لا عقل لها.

ولا شك أن صناعة الأتباع بهذا الشكل تتم بدون وعي وفهم منهم أو لضعف شخصيتهم، لأن قوي الشخصية لا يرضى أن يكون تابعا خاضعا لأسياده، بل يقبل ما كان موافقا لقناعاته، ويرفض كل ما هو مخالفا لأرائه وأفكاره.

والحقيقة أن الوعي له دور كبير في إنجاح أي تجربة مرتبطة بالتسيير والتدبير، والمقصود بالوعي يقظة دائمة، تقاوم كل ماله علاقة بالكذب والخداع، وتساهم في البناء والتجديد والتطوير.

وعند غياب هذا العنصر لدى الأتباع فسيؤدي إلى ظواهر خطيرة، تنتهي باستبداد القادة، وتنقلب الأعضاء من فاعلين مشاركين في صياغة القرارات إلى عناصر خاملة مطيعة تابعة، مدافعة عن أسيادها وقادتها مبررة أخطائهم وتصرفاتهم.

وعليه فإن فالتابع الأكثر طاعة وولاء والمضحي من أجل قادته هو الأوفر حظا لتولية المسؤولية في التنظيم أو أي مؤسسة أخرى، وهو ما لا يتم إلا بعد الوثوق به بناء على الأوامر والمهام التي نفذها ولو كانت سرية كأن يتجسس على زملاءه سواء كانوا أتباعا أم لا، وينقل أخبارهم ووضعياتهم وآرائهم إلى قادته، لمعرفة مدى ولائهم وإخضاعهم، أو يتم اختباره عن طريق أساليب معلومة للتثبت من إخلاصه وولائه لقادته.

وهكذا فإن التعاون بين القادة وأتباعهم المخلصين سيبقى متواصلا لخدمة التنظيم والحفاظ عليه من الاختراق، وأداء المهام في سرية تامة، والمكافأة هي تحقيق بعض المصالح لهم حفاظا على تبعيتهم وولائهم لهم.

وفي المقابل فإذا أظهر أحد الأتباع أو الأعضاء نقدا أو اعتراضا على أمر ما، أو أراد تغيير شيء ما فمصيره طبعا الطرد تحت شعار (من اعترض .. انطرد) و(من لم يخضع.. فهو مقصي).

وهكذا فإن الطرد والإقصاء يشمل كل ناقد معترض على قرارات التنظيم، وأما من لم يدخل في التنظيم ولم يكون من الأتباع المخلصين أصلا، فإن مصيره الإدانة والحكم عليه وتشويه صورته، خصوصا إذا كان من الخصوم المعارضين بل يتطور الأمر إلى الحكم على باطنه مثل فلان خبيث .. فلان مراوغ منافق…

والواقع أن التقويم المستمر والنقد البناء لا يعني الاعتراض والمخالفة بقدر ما هو مساهمة في البناء والتطوير والتجديد والنهوض بواقع الحال إلى مآل أفضل، يتم فيه إشراك الجميع في التسيير والتدبير دون طرد أو إقصاء أو تجاهل من القادة، لأن الإقصاء والإبعاد دليل على الضعف، أما الاحتواء فهو دليل على القوة.

إن التبعية المطلقة والطاعة العمياء لقادة التنظيم لها آثار سلبية خطيرة منها:

أولا: الطاعة العمياء تؤدي إلى تكريس استبداد القادة بآرائهم، والتعامل بنظرة نرجسية استعلائية وصائية خطيرة، بحيث تكون شؤون القاعدة كلها بيد التنظيم وقادته فيكون من الواجب عليها الرجوع إليهم وأخذ المشورة منهم، وعند عدم الامتثال لقراراتهم فإن النتيجة هي العقاب والحرمان من تحقيق بعض مصالحها، وعدم الاستجابة لاحتياجاتها وتطلعاتها عقابا لها على عدم الخضوع وتنفيذ الأوامر.

ثانيا: تؤدي الطاعة العمياء وتنفيذ الأوامر دون مراجعة ومناقشة إلى التعصب لأوامر القادة والتنظيم، والدخول في عداء مع من استعداهم التنظيم وشوه صورتهم.

ثالثا: إن اعتماد أسلوب الطاعة العمياء في تمييز الأتباع من غيرهم راجع إلى بناء القادة تنظيمهم على منهج التقليد والانضباط، لذلك فهم يقومون بإقصاء كل من لم يكن مقلدا مطيعا لهم ولأفكارهم، فيترتب عنه تكوين جبهة أو جبهات مضادة تنافسها على المسؤوليات، ومحاولة لملمت الشتات وتجميع المتفرقات.

رابعا: إذا كان فكر التنظيم هو المهيمن في مؤسسة من مؤسسات الدولة فإن قيادات التنظيم ستظل متحكمة في المؤسسة رغم عدم وجودهم فيها من خلال احتفاظهم بأتباعهم الخاضعين لهم، والذين يدينون لهم بالولاء المطلق.

خامسا: إن خطورة التنظيمات تتجلى في كون أتباعها يدينون بالولاء التام لقادتهم على حساب الولاء للوطن، لأن الولاء الحقيقي يكون للوطن والدولة، وليس لأشخاص بشر يخطئون ويصيبون ليس لهم العصمة، فالولاء للوطن وثوابته وهويته يعلى ولا يعلى عليه.

ومن هذا المنطلق يظهر مدى خطورة صناعة أتباع منظمة خاضعة داخل مؤسسات الدولة، فالمؤسسات لا تسير بمنطق التنظيم لأنه يخلق جماعة داخل المؤسسة، ويقصي كل من لم يكون تابعا للتنظيم وقادته، وهو ما يجب محاربته والوقوف ضده، فالوطن للجميع والمؤسسات تحتوي الجميع دون إقصاء وتهميش خصوصا للذين لا يدينون بالولاء للتنظيمات.

ختاما فهذه محاولة لقراءة نقدية لواقع التنظيمات من الداخل، وهي قراءة مبنية على الملاحظة والاستنتاج والرجوع إلى الكتابات التي تناولتها بالتحليل والنقد خصوصا في الشق المتعلق بالتبعية والطاعة العمياء لقادة التنظيمات.

وغالبا ما تستهدف هذه التنظيمات أصحاب محدودية التفكير والثقافة، وضعاف الشخصية الذين يسهل التحكم فيهم وتوجيههم، أما أصحاب الفكر وأقوياء الشخصية فلا يرضون أن يكونوا أتباعا لأي جهة كانت، لأنهم “يحترمون أنفسهم ويحترمون الناس، وهم يقولون ما يعتقدون أنه الصواب، ويتصرفون بما تمليه عليهم ضمائرهم، فلا يبحثون عن التظاهر لإرضاء للآخرين، ولا يرون أنفسهم ملزمين بشيء لا يؤمنون به، ولذلك فإن قوة الشخصية تعتمد كثيرا على قوة الإرادة، حتى يتصرف المرء بسجيته وحسب رؤيته للحياة.

ولكي تكون ذاتك فلا بد أن تفعل ما تريد فعله، لا ما يريده الآخرون أن تفعله.

فأنت واحد من عباد الله، ولست واحدا من عبيد الآخرين، ولذلك فإن عليك أن تكون حرا في تصرفاتك، بمعنى أن تختار ما تريد اختياره، وليس ما يريده الآخرون لك”[1].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  هادي المدرسي: كيف تكسب قوة الشخصية صص: 25 – 26

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
22°
20°
السبت
22°
أحد
22°
الإثنين
20°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M