“عالمية” البابا و”قُطْرِيَّةُ” الإسلام المعاصر.. حرب ناعمة ضد المرجعية الجامعة

09 مايو 2025 19:03

هوية بريس – علي حنين

في زمن العولمة المفتوحة، وتبادل القيم والمفاهيم بين الشعوب، تَطرح الهوية الدينية سؤالاً جوهرياً حول حدود التأثير والامتداد.



فبينما تحظى مؤسسات دينية غربية بقبول عالمي واسع، تواجه المرجعيات الإسلامية العابرة للحدود محاصرة فكرية وسياسية ممنهجة، خاصة حين تتجاوز الأطر القُطرية لتستحضر مفهوم الأمة الجامعة.

في هذا السياق، يؤكد الدكتور رشيد بن كيران، الباحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، أن التناقض الصارخ بين طريقة تعامل الغرب مع المرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية يعكس رؤية استراتيجية مُحكمة، هدفها إضعاف أي وعي إسلامي جماعي يمكن أن يتجاوز الرقابة المحلية والحدود السياسية القُطرية.

وقال بن كيران، في تصريح خص به جريدة “هوية بريس” الإلكترونية: “من الملاحظات الفكرية التي تستحق التأمل أن الغرب بمؤسساته الدينية والثقافية والسياسية لا يجد غضاضة في الاعتراف بمرجعيات دينية عالمية تتجاوز لديه الحدود القومية، بل ويدعمها ويمنحها شرعية رمزية وسياسية واسعة. وأبرز مثال على ذلك مؤسسة الفاتيكان، التي تتربع على رأس الكنيسة الكاثوليكية، وتمنح من خلالها شخصا واحدا، هو البابا، سلطة رمزية على مئات الملايين من الكاثوليك حول العالم، بغض النظر عن جنسيته وجنسية المؤمنين به”.

وأضاف أن اختيار البابا، سواء كان من الولايات المتحدة كما هو الحال مع البابا الجديد الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست، أو من الأرجنتين كما في حالة البابا السابق فرنسيس، ” لم يثر أي جدل يذكر حول الهوية أو الانتماء أو الخصوصيات القطرية”.

في المقابل، يرى الباحث المغربي أن الغرب – ومعه أذرعه الفكرية والإعلامية في العالم العربي والإسلامي – لا يتسامح مع المرجعيات الإسلامية العابرة للحدود، بل “يحرص على الترويج لما يمكن تسميته بـالإسلام القُطري، أي تصور للدين محصور داخل حدود الدولة الوطنية الحديثة، ويهاجم كل المرجعيات الإسلامية العابرة للحدود، سواء كانت فكرية أو فقهية أو دعوية، تحت مسمى الإسلام السياسي، أو الإسلام المؤدلج”.

واعتبر أن هذا التناقض “ليس صدفة، بل يعكس رؤية إستراتيجية عميقة تدل على أن الغرب لا يعارض الدين الإسلامي أو التدين به من حيث المبدأ، لكنه يعارض كل ما يمكن أن يشكل وعيا جماعيا متماسكا يتجاوز الرقابة القطرية”.

ولذلك، يضيف ذات المتحدث ” فهو يرحب بالمسيحية حين تكون كاثوليكية عالمية، ويحتفي بالبوذية حين تخدم صورة السلام والروحانية في الثقافة الاستهلاكية اللبرالية، لكنه يضيق ذرعا بالإسلام الصحيح حين يتحدث عن مفهوم الأمة الجامعة للمسلمين على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم وجنسياتهم، أو حين يقدم نفسه رسالة للبشرية جمعاء عابرة للحدود، أو حين يدعو المسلمين أينما كانوا إلى الاحتكام إلى مرجعية القرآن الواحدة”.

وحذّر بن كيران من أن هذا الخطاب الغربي يجد صداه داخل بعض النخب العربية، التي ” تعيد إنتاج هذا المنطق بدعوى السيادة الوطنية أو الخصوصية المذهبية، أو الاختيارات الدينية أو الثوابت المجتمعية، فتجزئ الإسلام إلى مذاهب محلية، وتحاصر الشريعة الإسلامية بحدود القانون الداخلي، وتخضع الخطاب الدعوي للرقابة السياسية والنعارات القومية”.

وأوضح أن النتيجة هي أن الدين “يتحول من قوة تحرير ووعي جماعي، إلى طقس محلي مشروط، مرتهن لإرادة الحاكم وحدود الجغرافيا”.

وبيَّن الباحث المغربي أن ” ما يُرفض للإسلام من أممية، يُحتفى به في أديان ومعتقدات أخرى، وما يُفرض على المسلمين من قُطْرِيَّة، يعدُّ في الغرب ضربا من التقديس للحقوق الكونية المزعومة. وهذا التناقض يكشف عن عمق الصراع بين تصور الإسلام كدين ينظم الوجود البشري برمته، وتصور العالم الغربي الذي يريد إسلاما رمزيا، منزويا داخل جدران الدولة الهجينة أو المسجد، خاضعا لهيمنة الخصوصية الدينية أو المذهبية والسياسة المحلية”.

وأشار إلى أننا ” الآن نعيش في زمن العولمة والاتصال الشامل، لم يعد من المقبول أن يطالب الإسلام بالتخلي عن أمميته، بينما تمنح الديانات والمؤسسات الأخرى حرية التنقل والتمدد باسم الروحانية أو القيم الكونية”.

وشدد على أن ” المعركة الحقيقية ليست بين دين وآخر، بل بين وعي يسعى للتوحيد والتحرر، ومنظومة مستبدة تريد التفكيك والسيطرة”.

وختم الدكتور بن كيران تصريحه بالتأكيد على أن ” الدفاع عن عالمية الإسلام اليوم ليس مجرد موقف ديني عقدي، بل هو أيضا موقف حضاري، يعيد الاعتبار لمفهوم الأمة الذي هو مفهوم قرآني محوري ، ينبذ التجزئة والتفرقة بين المسلمين، ويقاوم فكر الاستبداد والتبعية”.

وهكذا، يسعى الدكتور رشيد بن كيران إلى لفت الانتباه إلى مفارقة فكرية تكشف عن ازدواجية المعايير في التعامل مع المرجعيات الدينية؛ فبينما تُمنح الكنيسة الكاثوليكية شرعية عالمية لا يُجادَل فيها، يُراد للإسلام أن يُختزل في إطار محلي ضيّق، خاضع للحدود السياسية والسيادة القُطرية.

إن الدفاع عن عالمية الإسلام، كما يرى بن كيران، لم يعد مجرد خيار عقدي، بل بات موقفًا حضاريًا في مواجهة منظومة استبدادية تسعى إلى تفكيك وعي الأمة، وتقليص رسالتها الكونية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
9°
19°
الثلاثاء
19°
الأربعاء
19°
الخميس
20°
الجمعة

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M