علاج السحر بالتوحيد في رمضان

23 مارس 2025 12:26

هوية بريس – د.طارق الحمودي

معنى السحر

السحر ظاهرة عملية قائمة على قصد إيقاع الضرر أو التحكم عن طريق الشياطين، بعقد بينها وبين إنس، فتستدعى الشياطين لذلك بمسالك خاصة، وقد يعقد على المسحور كتابة، وتدفن أو يعمى عليها في مكان يبعد وصول اليد إليه، وهذا النوع من التعامل والتعاقد قديم بقدم الإنسان، فمنه السحر اليهودي البابلي، والسحر الفرعوني، وسحر الفودو، وسحر شامان آسيا وما تفرع عنهم وغيره، بل كان الفلاسفة يعرفونه ويستعملونه، على رأسهم فيثاغور وأرسطو، وقد تحول السحر إلى جزء من المؤسسات الحكومية العالمية، فعند كثير من الحكام والرؤساء سحرة يستشيرونهم ويراجعونهم ويستعملونهم، وهو قبل هذا وبعده جزء من الفكر الباطني، مارسه المتصوفة المتأخرون والشيعة أيضا، والسحر من الأمراض المنتشرة بين الناس، خاصة في النساء.

معنى التوحيد والعبادة

التوحيد إفراد الله تعالى من جهات ثلاثة، من جهة اعتقاد تفرده بالخلق للكون وملكه وتدبير أمره كله، ومن جهة اعتقاد أحقيته في صرف العبادة إليه وحده، سواء كانت عبادات قلبية أو لسانية أو جارحية، والجهة الثالثة إفراده بأحسن الأسماء وأجل صفات الكمال، بحيث لا يشاركه فيها أحد، والعبادة أصلها التذلل والمحبة لله تعالى، وهي اسم يجمع كل حركة قلبية واعتقاد وقول وفعل يرضي الله تعالى، وهو الذي بعث به الأنبياء والرسل، وحاربه إبليس وجنده، وله خلق الله الجنة والنار، وأنعم على الإنسان بالإيجاد والإعداد والإمداد، ليتشرف ويتكلف، ويحمل أمانة إقامته في الأرض، ويجعله عمارة وحضارة.

لماذا رمضان

ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تصفد في رمضان، وهذا أمر يؤهل شهر رمضان ليكون الوقت الأكثر مناسبة لعلاج السحر ورفع ضرره وأثره، ويحتاج ذلك إلى استعداد جيد لدخول رمضان، وإعطائه حقه بالصيام والقيام وقراءة القرآن، فالصيام يقوي الانتباه، ويعين على الخروج من حالة الغفلة، فإن البطنة تذهب الفطنة كما قيل، لكن كثيرا من الناس لا ينتبهون، فيقعون في ما ينبغي التنزه عنه، وهو الشهر الذي ينقطع فيه كثير ممن يتعاطى الخمر من المسلمين شربه، خوف رد صلاتهم، وهو الشهر الذي يتداركون فيه شيئا مما يفوتهم في غيره، فرمضان شهر “الصحو” و”اليقظة“، ولذلك يحرص إبليس وأعوانه على إفساده على الناس حتى لا يضعف تسلطهم عليهم.

الدواء المركب للداء

الدواء المقترح لهذا توحيدي خالص، مفرداته ثلاثة، الدعاء، والذكر، والنوافل، وسر هذا مضمن في معاني هذه المفردات، وطبيعتها التوحيدية، وتعلقها بأحد أو أكثر الأنواع الثلاثة للتوحيد، وهي على كل حال مترابطة متكاملة، وسيأتي بيان ذلك، وإنما اقترحت هذا الدواء المستعجل، لأجل رمضان، فإذا اجتمعت قوة الدواء مع ملاءمة الحال أنتج ذلك فاعلية أكبر، صحيح أن الرقية نافعة في رفع الداء، لكنه رفع مؤقت في كثير من الأحيان، بل قد يكون في بعض المرات كهيئة الدواء المسكن، فمع بقاء أسباب المرض، لا تنفع الرقية في استئصال مرض السحر، وأما هذا الدواء الذي يصير عند تخفيفه حمية فله القدرة على “الرفع” للمرض، و”الدفع” له معا، لأن الأمر متعلق بداء قلبي، ولا ينفع فيه إلا دواء قلبي أيضا، وليس أنجع من “التوحيد” ومشتقاته ومقتضياته.

الذكر في النفس والملأ

كثير من الناس لا يعرف معنى “الذكر” على وجهه، فقد انحصر ذلك عندهم في ما ينطقه اللسان من أسماء الله أو الثناء عليه أو الدعاء، بل توسعت بعض الطرق الصوفية المعاصرة فيه، وأخرجته عن أصله ومقتضاه، وضيعت مقاصده وآثاره، فاعتبرت اللفظ فيه المقصود، بل جعلته بذلك منشور الولاية ودليلها الموثق، وابتدعوا أذكارا جعلوها على المريدين وظائف يومية، لا تستعمل إلا بإذن الشيخ، والذكر وراء هذا كله، فهو في الأصل قلبي، واللفظ شهادة عليه، والفعل أثر له، وهو راجع إلى “رفع قدر الله ومقامه في القلب“، ثم إظهار ذلك على اللسان، وألطفه بين الناس عند موجب ذلك، ولذلك قال الله تعالى في الحديث القدسي: (…فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)، وعلى هذا، “فكلما رفعت قدر الله في قلبك، رفع الله قدرك عنده، فضعف تعلق الشيطان وتسلطه عليك” فلا يقدر وضيع القدر على أذية رفيع القدر، والله المستعان.

الدعاء هو العبادة

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الدعاء هو العبادة)، ومعنى ذلك، أن الدعاء من أعظم العبادات التي يصل بها العبد نفسه بالله تعالى، والدعاء نوع من أنواع الذكر الفخمة، فإنه يقتضي اعتقاد رفعة قدر المسؤول المدعو، واستحقاقه لأكمل الصفات وأحسن الأسماء، وهو دليل على إيمان الداعي بتفرد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير، فلذلك أفرده بالقصد والتوجه بالطلب والسؤال، وأصله الإحساس بالحاجة والافتقار إلى الله تعالى، وهو أحد أركان العبودية الحقة، فإن أضيف إلى ذلك حب المدعو المسؤول اكتملت أركانها، ودخل صاحبها في منعة من الشيطان، فإن الاستعانة بالله قرينة الاستعاذة، فمن دخل في الحماية دفع عنه الأذى الشيطاني، ويخلص من هذا أنه كلما كانت الصلة بين العبد وربه أقوى كان السحر أضعف ،لأن الصلة موجبة للحماية والإعاذة.

النوافل تجاوز مرحلة الفرائض

ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه قال في الحديث القدسي: (من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)، فدل هذا على أن الدخول في العبادات النوافل موجب لحب الله تعالى الذي يعني توفيقا من الله عز وجل، وأنها وسيلة إلى حماية الله عبده إذا استعاذه، ووسيلة إلى استجابة الدعاء، فالنوافل وسيلة في الدعاء الذي هو جزء من هذا الدواء المركب، ووجه التركيب فيه أنها جميعا عبادات لله تعالى مستخلصة من توحيده سبحانه، فالدعاء والنوافل من أنواع ذكر الله تعالى، والنوافل محل الدعاء والذكر ووسيلته، فيكون الدواء مركبة تركيبا محكما نافعا بإذن الله تعالى، ويخلص من هذا أنه كلما أكثر العبد من النوافل كان الشيطان في قصده الأذى أضعف، لدخول العبد في حالة من الاعتصام والحماية.

الحمية

هذا الدواء يمكن جعله حمية، وهذا هو الواجب على المؤمن، فالتوحيد طعام وحمية قبل أن يكون دواء، واستصحابه ركن في حياة القلب وصحته، ولأجل ذلك يحتاج المريض لأن يفهم أن التوحيد ينبغي أن يكون حالة مستدامة، قبل وأثناء وبعد رمضان، وما أصاب الناس مما أصابهم من الوهن في النفوس وأدواء القلوب إلا بسبب الخروج من حال التوحيد إلى ضده، فنتج عن ذلك حياة ضنك وضيق وكآبة وضعف، والعودة إلى التوحيد استعادة للقوة، وتوسعة للنظر، ورفع للكآبة، وحسن تبصر وطمأنينة، كيف لا يكون كذلك وهو الصلة بالله القوي، ورفع القدر بالذكر، وتحصيل المحبة الإلهية بأنواع النوافل، خاصة في رمضان، شهر القرآن، فإن فيه الوصفة الشافية بإذن الله، تقبل الله منا الصيام والقيام.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
16°
18°
الإثنين
18°
الثلاثاء
22°
الأربعاء
22°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M