عن “القُرعة” أو “دارت” أتكلم…
هوية بريس – محمد بوقنطار
من فقه الفقه أن لا يُثار الكلام، وأن لا يخوض الخائضون، وأن لا تُعقد مجالس السجال والحجاج والمناقشة بين المُجيز والمانع، ويعكف العاكفون على سبر العلل المخفية من المسالك الضيقة للفقه عن جواز أو حرمة تلك الحركة ذات الملحظ الاجتماعي التي يطلق عليها المغاربة في مقام الاصطلاح العرفي لفظ “القرعة” أو “دارت”.
والحال أن يدور هذا الكلام ويتم ذلك الالتفات المحجر على ضيق لا واسع في بلاد تتصوّل فيها البنوك الربوية، ويصطلي في قهر قروضها الرجال، ويُحنذ المواطنون في تنور فوائدها المعتسفة، فإن هذا ولا ريب مجانب للحكمة، خادم بقصد أو بغيره لذلك السَوْق الذي يسوق المستعجلين لأرزاقهم، والمنزلين لحاجاتهم منزلة الضرورة، والواقعين تحت ضغط وسطوة الاستدراج المدني الذي تعج بضائعه ومعروضاته بما يبهر النفس ويمتلك النواصي ويستعبد الأفئدة الضعيفة، ويُدخل الأسر ذات الدخل المتواضع في أتون فتنة الالتزام بما لا تُطيق حمله السواعد، وبما يجعل الرابي والمرابي والرائب في حرب مأذونة مع الله ورسوله، قد علمنا ذوقا وتجربة حجم دمار خوض معاركها ورصيد خسائرها من النقص الذي يصيب زاد المال والنفس والثمرات…
إنني لا زلت أرى في عملية “دارت” ملجأً ومتنفسا ومخرجا ووسيلة للفرار من فخاخ الحرام المحض وربا الحرب مع الله ورسوله، فحتى على التسليم بما جادت به قريحة السادة من العلماء وطلبة العلم في هذا الخصوص من استنباط يقف بكلفة ومضض على ملمح شبهة الحرام في هذه العملية ـ تحت طائلة شرطية “أسلفني أسلفك” ـ تلك العملية الشعبوية التي لطالما اجتمعت على قصعتها السخية سخائم الطبقات المطحونة اجتماعيا وهشت بعصاها على غنم الأضحية وكان للناس البسطاء فيها مآرب مقضية، فإن ذلك واقع في دائرة قاعدة دفع أحد الضررين بأهونهما، وأنه متى ما اجتمع الضرران أسقط الأكبر للأصغر”، و”الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف”، و”يختار أخفَّ الضررين”، و”يختار أهونَ الشرين”.
والله أعلى وأعلم.