عن زيارة الإمبراطور لبلاد العجائب..

هوية بريس – محمد بوقنطار
وسط حفاوة وفيح بداوة وفداء سخاوة، وتصدية حارة الصدى، وشعور جوار تتهادى وتتزاور مفارق سوالفها ذات اليمين وذات الشمال، تقرض صويحباتها أشعة النيون والأضواء المسلطة على الأشقر الأبيض المتهادي المشية في رواق يحسب هذا العابر الناظر الفاقع البياض بلاط وصيده لجة فيكاد يكشف عن ساقيه، وهو يخطو في عتو وكبرياء إلى جانب رفاقه من المتطاولين في البنيان رعاء الإبل والأغنام، من جنس الأسخياء، ونوع الأمراء الأثرياء، وصنف الأخلاء الأجاود الأنقياء اللاأتقياء…
غرم وغنم ونفل وجزية، ويد صاغرة تجاوز بذل عطاياها وتكاياها وهداياها كل تخمين… وفاق المدفوع في صفقة خطبة ودها، وتجارة غبنها كل معقول وخيال، وجاوز إسرافها تبذير إخوان الشياطين، وتمرد نزيف إنفاقها على كل عرف وإلف وعادة ومعهود إكرام وفادة عرف بها بدو شبه الجزيرة قبل حاتم وبعد الطائي.
يا للعجب، ويا للمصيبة، ويا للرزية، ويا للدركة التي تسفل في نقيصتها هؤلاء المترفون المفسدون في الأرض بعد إصلاحها، إنها نفوس باتت مهيأة لأن تستقبل الذل وتتلقى الهوان في دثار العزة والأنفة العربية المدخولة، إنها نفوس كما صارت تملك الجرأة على أن تذل لكل علج ذليل حقير في الأرض، فقد باتت في الآن نفسه تملك القدرة والجسارة التي تجعلها على استعداد لتتمرد وتثور في صدود وجفوة وجحود على من في السماء تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا.
مساكين جاوروا الظلم، وركبوا مركب الظالمين، وآثروا صحبة المعتدين، وصمتوا صمت من في القبور عن القتل والفتك والقهر والإهلاك المستحر في إخوانهم من المستضعفين في الأرض، بل شحت جيوبهم، ونضب ماء وجوههم، وكفت أيديهم عن بطش إدخال لقمة خبز وشربة ماء إلى المحاصرين في شعاب الغدر والقهر، زعموا أنهم بذلك يبتغون عند أسيادهم أولئك العزة والسؤدد وكذبوا!!!
وفي زعمهم ومأمول سرابهم قال الله سبحانه وتعالى: “الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا“.