عودة الحضارة إلى الشرق من جديد تعني عودتها إلى العرب والمسلمين

08 فبراير 2025 00:07

هوية بريس – د.إدريس الكنبوري

شاهدت اليوم برنامجا فرنسيا حول التكنولوجيا الصينية الجديدة والنموذج الصيني لتطوير الذكاء الاصطناعي، ورأيت كم هي الصين تشتغل في صمت وتغزو العالم بهدوء، بينما تملأ الولايات المتحدة الأمريكية العالم ضجيجا وتجلب على نفسها نقمة الشعوب من مختلف الأجناس.

أمريكا منشغلة منذ سنوات بكابوس اسمه الصين، إلى حد أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الياهودي هنري كيسنجر كتب كتابا ضخما عن تاريخ الصين منذ ما قبل الميلاد إلى بداية صراعها مع الغرب. فقد غزت الصين أسواق العالم بالصناعة بينما غزته أمريكا بالإرهاب، بما في ذلك الأسواق الأمريكية، وهو ما دفع ترامب إلى فرض رسوم جمركية عالية على البضائع الصينية.

السباق في الذكاء الاصطناعي بين الصين والغرب يجري على قدم وساق، فأوروبا تشكو من العجز أمام أمريكا، وأمريكا تشكو من العجز أمام الصين. وتعاني بلدان الاتحاد الأوروبي كلها وعددها 27 دولة من التفوق الأمريكي، فالاتحاد الأوروبي كله لا يملك منصة بينما تملك أمريكا كل المنصات الموجودة، من فيسبوك إلى إيكس وما بينهما، وخلال الشهور الماضية اجتمعت الدول الأوروبية لوضع خطة للتطوير قد لا تنجح، وقبل أيام جمع الرئيس الفرنسي خبراء هذا المجال لمواجهة ما سماه التحدي الأمريكي والصيني.

لكن القصة ليست هنا، فهي لا تتعلق بالصين وأمريكا وأوروبا، بل ترتبط بالمواجهة بين الشرق والغرب، وهذا الأخير يجمع أمريكا وأوروبا معا.

التفوق الصيني الحالي يدل على أن الحضارة تعود تدريجيا إلى الشرق حيث ولدت، وتغادر الغرب الذي يعود تدريجيا إلى التوحش الذي كان يعيشه. فقد ولدت الحضارة في الشرق، وولدت الأديان في الشرق، وولدت الفلسفة في الشرق، والمسيحية التي يتبجح الأوروبيون بها لم تولد في أوروبا بل في الشرق، لكن أوروبا استولت على كل هذه الثقافات كما تستولي على نفط الشرق الأوسط، حتى المسيحيون الشرقيون وهم الأصل يقفون على النقيض من المسيحيين الغربيين، فبينما يدعم المسيحيون في الغرب إصرائيل يقف المسيحيون في فلسطين إلى جانب مسلميها.

ويقول المؤرخون الأوروبيون إن أوروبا ليست حضارة أو ثقافة، وإنما هي مجرد قارة، ولا يوجد شيء اسمه الحضارة الأوروبية كما توجد الحضارة الصينية أو الإسلامية، لأن الصين تدل على الصينيين والإسلام يدل على المسلمين أما أوروبا فلا تدل إلا على شعوب متوحشة عاشت في تلك القارة، ومن هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام اليوم إدغار موران وريمي براغ، وقالها قبلهما أرنولد توينبي.
أوروبا اليوم تبدو متخلفة أمام أمريكا، وأمريكا تبدو متخلفة أمام الصين، ولكن القضية مرة ثانية أكبر من هذا كله. ذلك أن كل ما حققته أمريكا وأوروبا من تقدم صناعي وتكنولوجي يعود بالأساس إلى استغلال الشعوب الفقيرة وحملات الاستعمار ونهب الثروات والسيطرة على نفط الخليج، وقسم كبير من العاملين في المجال الصناعي في أوروبا وأمريكا ليسوا أوروبيين أو أمريكيين، بل مسلمون وآسيويون وأفارقة، وفي العام الماضي نشر في فرنسا تقرير يدق ناقوس الخطر خول هجرة الكفاءات الأجنبية من فرنسا، وما يقوله الأوروبيون عن تشديد سياسات الهجرة مجرد كذبة، لأن الهجرة التي يرفضونها هي هجرة العوام، أما هجرة الكفاءات فهي تبحث عنها بكل السبل وتضع التشريعات لتسهيلها.

في المقابل حققت الصين ذلك التقدم اعتمادا على قدراتها الذاتية وليس على الاحتلال والنهب، والكفاءات العاملة فيها هي كفاءات صينية ـ صينية، ومعنى ذلك أن الحضارة الصينية بناها صينيون منذ القديم، بينما الحضارة الأوروبيو بناها سكان المستعمرات السابقة وثروات العرب والأفارقة، وهذا تمييز مهم.

وعودة الحضارة إلى الشرق من جديد تعني عودتها إلى العرب والمسلمين، ولكن بخلاف الصين التي لها سيادة لا يتوفر العرب على سيادة، لأنهم محتلون من البحر إلى النهر، والعلم لا يتطور تحت الاستبداد والفساد والسرقة. لكن هذا لا يعني أن عودة الحضارة الإسلامية بعيدة، فهي ترتبط بانهيار الغرب وزوال إصرائيل، والمسلمون قادرون على تحقيق العجائب لو أتيحت لهم الحرية والحكم الرشيد، فقد كانوا سادة العالم، ولكن قضى عليهم الاستبداد والفساد، فقد حقق الفلسطينيون معجزة تكنولوجية غير مسبوقة رغم الاحتلال والحصار يوم 7 أكتوبر 2023 عندما اخترقوا الجدار الذي وضعت فيه إصرائيل أكثر من 70 في المائة من قدراتها التكنولوجية وقدرات أمريكا، والشعب الفلسطيني اليوم ليس مجرد شعب بل هو مشروع حضارة قادمة، وقد حقق تلك المعجزة رغم الاحتلال، بينما لم يحقق الغرب شيئا رغم عدم وجود احتلال مباشر، وهذا يعني شيئا واحدا وهو أن الاستبداد أخطر من الاحتلال.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
15°
15°
الإثنين
15°
الثلاثاء
17°
الأربعاء
17°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M