غبطة المحبة لأبناء التعليم العتيق في بلدنا الحبيب

23 يناير 2025 23:30

هوية بريس – أيمن عزيز

غبطة المحبة نغبط عليها أبناء التعليم العتيق في بلدنا الحبيب، حيث يدرسون العلم من معينه الصافي، ويشربون من منبعه الخالص، من كل ما يشوبه ويُعكر ويكدر صفائه، على أيدي علماء وشيوخ وفقهاء وأساتيذ أجلاء عظماء، كل منهم برع وتخصص في فن من فنون الشريعة وباقي المعارف.

أخذوا منها طرفًا ثم قدموها لطلبتهم مبسطة ومتينة، ويعطون طلبتهم لب وزبد العلم وأحسنه، في مدارس هي معسكر العلماء ومصنع الفقهاء ومنبت الأدباء والشعراء، كما ويعد روادها صمام الأمة مدافعين عن ثغورها.

ولكن للأسف، ما يحز في فؤاد عبد ربه، حيث أرى بعضهم تركوا مدارس التعليم العتيق والتكوين العلمي الرصين القوي، حيث أقامهم الله وختارهم هنالك. وأعجبوا واغتروا بمدح الناس لهم، وإعجابهم بصوتهم في القراءة والمديح.

ثم أقبلوا على المناسبات من أعراس وعقائق وجنائز، حيث أعجبهم أنهم يقدمون عند العوام والجهال في المحافل والبيوت. يعجبهم أن يقال لهم: “أنت صاحب صوت حسن، يهز الجبال ويخشع الأبدان ويطرب الأذان“.

بعد ذلك تكاسلوا وتقاعسوا، وضعفت همتهم عن طلب العلم، وذلك كذلك ناتج عن غرور قذفه الشيطان في قلوبهم، على أنهم لم يعودوا يحتاجون للعلم. فكَبُروا وكَبِروا على العلم، فأصابهم التخمة وحصلوا الإكتفاء.

وإذا أرشدهم ونصحهم شيوخهم، شددوا لهم في النصح وأغلظوا لهم القول، ظنوا على أن شيوخهم لا يحبون لهم الخير، وعلى أن ذلك إنما كان من باب الحسد.

ولكن للأسف، اعتادوا على سماع الكلام اللين والجميل والمدح والإطراء. قال صاحب كتاب شفاء الغليل: “نصيحة في تخشين خير من خديعة في لين“. كما أن المغاربة، لنباهتهم، جرى على ألسنتهم كلام قريب من هذا المعنى الذي ذكره الغزالي في كتابه، حيث يقولون بالعامية: “سمع كلام لي يبكيك أم لي يضحك، راه غير يضحك عليك“.

ولكن هيهات! رضوا أن يكونوا مع الخوالف، فحل عليهم التكابر والتعالم والغرور. لكن الأمر المؤسف، حينما سيكبرون في السن، ويبلغون الأربعين، ويجدون أنفسهم يتوددون لطلب تفضلات وصدقات الناس، مع نظرات تحقير لهم، وعلى أنهم هم المحرومين المغبونين.

وحينما يعاينون ويشاهدون أقرانهم الذين هم في أعمارهم، وكانوا معهم في مرحلة الطلب، على أنهم هم قد شمروا على سواعد الجد، وتركوا كل ما لا يسدى لهم نفعًا، بأنهم قد وصلوا وحققوا مُبتغاهم، ونالوا مرادهم. هم تقدموا، وأنتم تقادمتم.

الأسباب في هذا قد تطول، لذا أختم ببعض التوجيهات. وإن كنت لست أهلاً للتوجيه والرشاد، أقول لسادتي الطلبة:

أولاً: عليكم بإخلاص النية والتقوى الله، فهي أساس العلم والعمل والفتح المبين.

ثانياً: وأنت في مرحلة الطلب، لا تكثر بمجالسة العامة والجهال، فقد كان علماؤنا ينفرون من مجالسة الجهال ولا يخالطوهم، لأن في مجالسة الجاهل مرضًا للعاقل. وقالوا: “إذا أردت أن تعذب عالماً فاقرن به جاهلاً”. وفي الحكم يقولون: “ارحموا عالماً بين جهال”.

ثالثاً: عليك بمصاحبة أهل الهمة ومن لهم رغبة في العلم والإجتهاد ومجالسة طلبة العلم أهل الجد والعزم،وأن تكون بيئتك مع هؤلاء. فقد قال صاحب المقدمة: “البقاع تأثر في طباع”. كما عليك أن تختار العقلاء لا الحمقاء، فإن الحماقة داء يصعب علاجه وقد يشوش ويؤثر عليك. لذا قد قيل: “لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها”. وقالوا: “لما غضب كسرى على عاقل سجنه مع جاهل أحمق”. والعرب كانوا يحذرون من هذا، على أنه قد يريد أن ينفعك فيضرك.

رابعاً: لا بد أن يكون صاحبك في مرحلة العلم هو الكتاب، لأنه خير جليس لك ينصحك ويرشدك ويفيدك ويحفظ سرك ويكون معك إذا خانك الأصحاب والأحباب. وقد قال أحدهم: “نعم الأنيس إذا خلوت الكتاب تلهو به إن خانك الأحباب لامفشياً سرًا إذا استودعته وتفاد منه حكمة وصواب”.

خامساً: لا بد أن يكون لك كراسة وقلم تكتب وتدون ما يعجبك وما وقفت عليه في الكتب وما سمعته من الشيوخ. فمن قلة العيب أن تكون طالباً وليس لك كناشا تكتب فيه حينما تحضر مجالس العلم. فقد ذكر صاحب كتاب صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل، أنه قد قيل: “لا بد للطالب من الكناش يكتب فيه راكباً وماشياً، لأن الكتابة هي حفظ و صيانة للعلم من الضياع”. أذكر هنا كلمة قالها أحد شيوخ العلم، قال: “ما كتبناه ربحناه، وما سوَّفناه فقدناه”. وقال أحد الشعراء: “العلم صيد والكتابة قيده، قيد صيودك بالجبال الواثقة”.

ختاماً: عليك أن تحترم شيوخك، فهم مفتاح العلم لك. وأن ضحك أو سخرية عليهم سبب من موانع الفتح والتحصيل. ثم لا تتسرع و أنت تطلب العلم متى تعظ الناس في المحافل والمساجد، كما حدث لنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه عبد ربه الطالب أيمن عزيز البركاني، غفر الله له.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M