فاستغفروه على العجز

14 مارس 2025 17:55
اغتيال قيادي إسلامي يمني بالرصاص أمام المسجد

هوية بريس – د.الخضر سالم بن حُليس

اعتاد كثير من الوعاظ والخطباء تناول مادة (الاستغفار) في سياق الذنب الخاص، ومقارفة المعصية المحصورة في إطار النفس، والتقصير في سجل أعمال اليوم والليلة والتركيز على معاص معدودة من النظر والكذب والغيبة وغيرها، دون الولوج للمعاصي الجماعية، والتفريط في الفروض الكفائية، والعبث بالمسئوليات والوظائف، والتولي عن الأعمال العامة ومواطن القرار، والفرار من زحف الريادة العالمية، والتربع على عرش العالم، والإقدام والتقدم في الصفوف الإقتصادية والسياسية والعسكرية والإحجام عن التسول في تلك المواقع، والوقوع ضحية العقوبات والذل عند أبواب الأمم، والتنازل عن المبادئ والحقوق، والتخلي عن الأرض والثروة…الخ.

إن كثيرا مما نحن فيه من أحوال عجاف نتيجة لما كسبت أيدينا من ذلك التولي والغياب عن العالم الذي كلفنا بريادته وإسعاده وإنقاذه من براثن الوثنية والإلحاد.

ولقد أفسدت منصة (هوليود) العملاقة أجيال العالم فكريا حين غبنا عن منصات قيمية منافسة تهديهم الصراط المستقيم، وقد حذرتنا الآيات من التواري عن أمثال تلك المنافسة: ﴿إِلّا تَفعَلوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِي الأَرضِ وَفَسادٌ كَبيرٌ﴾ [الأنفال:73].

إن تصوير المعاصي الحصرية في ذلك النطاق الفردي المحدود فحسب تتويه للجيل عن العصيان المتعدي والذنب الفاعل المؤثر.
لا شك أن المعصية الفردية خطر على الإنسان ذاته وإنهاك له، وتبديد لقدراته وطاقاته، فكذلك تفعل السيئات الجماعية بالأمم، وكما أن تجاهل أسراب الذنوب الفردية يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه فكذلك مفاعيل الذنوب الجماعية يجتمعن على الأمم حتى يهلكنها.

وقد جلت بنظري في سياقات طلب الاستغفار التي ورد بها النص القرآني فوجدت منها ما يتوغل في مواطن التفريط العام، والنكوص الجماعي، وإعمار الأرض، والتولي عن الأعمال الجهادية، والفروض الكفائية، وفي مضامين الحدث التاريخي العابر كوكب الأرض كيف أفل واستُبدِل.

فمثلا: يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم﴾ [الفتح:11].

فطلب الاستغفار هنا في سياق التقصير عن الحراك الفاعل، والنشاط الجهادي المتعدي، والتولي عن مواطن الكفاح والتصنيع الذاتي، والفروض الكفائية العاجلة، والانشغال بجدول المهام الشخصي عن نفع العموم، حتى الجهاد على تلال الجبهات يحتاج إلى ذخيرة ومصانع للسلاح، وياله من تقصير في العدة والعتاد.

وفي موطن آخر يقول: ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه﴾ [هود:61].

في سياق التقصير عن إعمار الأرض وتعبيد الكوكب لله تعالى، والانطلاق في تضاريسه عبادة وإعمارا.

إن العجز ذنب متعدٍ، والكسل طريق تمهيدي إليه، وكلاهما كانا على قوائم الاستعاذة النبوية عند كل صباح ومساء.

“والحاجة ضرب من العبودية” فأميطوا العجز عن القلوب.

إن الاستغفار بهذه الدلالة القرآنية الفضفاضة، يتحدث عن ترقيع نظام حياة منخرم، وإصلاح كيان عام معطل، وتنظيم حياة مختلة تستحق البناء والترميم.

إن أمة الشهود الحضاري حساسيتها للذنب العام أدق وأعمق، ومجساتها النفسية لاستشعار تلك الفراغات من صميم المهمة القياديةالموكلة إليها بين الأمم.

والله المستعان.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
17°
18°
الإثنين
18°
الثلاثاء
22°
الأربعاء
22°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M