فصل الديمقراطية عن العلمانية في مؤتمر حزب العدالة والتنمية

هوية بريس – د. أحمد الشقيري الديني
استطاع حزب العدالة والتنمية في مؤتمره التاسع نهاية الأسبوع الماضي أن يحافظ على قيم الديمقراطية الداخلية للحزب والتي انعكست في حرية التعبير عن الرأي ونقد التجربة السابقة للحزب على مرآى ومسمع من القيادة السابقة والقبول بتعدد الآراء ومناقشة الورقة المذهبية والرؤية السياسية، وتعديل القانون الأساسي للحزب، ثم الاحتكام لصناديق الاقتراع في اختيار أمين عام الحزب للأربع سنوات المقبلة، مما ساعد الحزب على تجاوز الخلافات بين قيادييه وعدم السقوط في مطب الإنشقاقات التي ابتليت بها معظم الأحزاب السياسية كلما وقع خلاف بين قادتها..
نعم استطاع الحزب أن يحافظ على وحدة الصف رغم التحديات التي فرضتها تداعيات البلوكاج والسقوط الانتخابي المدوي في استحقاقات الثامن من شتنبر حيث انتقل من 107 مقعدا سنة 2011 إلى 13 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يفيد أن الحزب فقد حوالي 90 في المائة من حجمه الانتخابي مقارنة مع آخر استحقاقات انتخابية.
أيضاً تمرس الحزب على السلوك الديمقراطي جعله يتجاوز معضلة توقيع أمينه العام السابق معاهدة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي يقوم بأبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني الشقيق..
فالحزب عبر من خلال بياناته ومن خلال الكلمات التي تقدم بها ضيوفه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ومن خلال البيان الختامي للمؤتمر على مساندته للمقاومة الفلسطينية والتنديد بجرائم الاحتلال ورفض التطبيع معه..
هذه هي الصورة التي يقدمها الحزب عن صدق ممارسته للديمقراطية في أجلى صورها: حرية في التعبير ومعارضة مسؤولة ونقد التجربة السابقة ثم اختيار حر ونزيه للقيادة الجديدة..
وما فتئ الحزب يعتز بمرجعيته الإسلامية ولا يرى في ذلك أي تناقض مع سلوكه الديمقراطي، فالرؤية السياسية والورقة المذهبية للحزب والبيان الختامي للمؤتمر كلها تعكس روح المرجعية الدينية لحزب سياسي قام على المبادئ الإسلامية منذ نشأته الأولى وإبان تطوره واتساعه..
وحزب العدالة والتنمية بسلوكه الديمقراطي واعتزازه بمرجعيته الإسلامية متناغم مع طبيعة الدولة المغربية ونظامها السياسي القائم على إمارة المومنين والدولة الديمقراطية المنخرطة في محيطها الإقليمي الفريد، فهي تحدها شمالا دول أوروبية قائمة على أسس ديمقراطية متينة، وتحدها جنوبا دول إفريقيا المعظمة لمؤسسة إمارة المومنين المتشوفة لإسلام صوفي معتدل ترى نموذجه الأجلى في بلدنا المغرب بزواياه الصوفية على مذهب الإمام مالك وطريقة الجنيد السالك..
والحاصل أن حزب العدالة والتنمية منسجم مع طبيعة الدولة المغربية ونظامها السياسي المنسجم هو أيضاً مع موقعه الجيوستراتيجي..
هناك من يريد إقناعنا بمبدأ “لا ديمقراطية بدون علمانية”! لأنه لا يستحضر إلا التجربة الأوروبية التي طورت مبادئ الديمقراطية في ظل الصراع مع الكنيسة والبابوية، وهو صراع لم يعرفه المسلمون عبر تاريخهم الطويل في الحكم بالشريعة لمدة لا تقل عن 13 قرنا..!
وهاهو المغرب دولة إمارة المومنين المتشوفة لمجتمع تسوده الديمقراطية وحقوق الإنسان ينحت تجربته المتميزة دون أن يتبنى علمانية أوروبية..
وهاهو حزب العدالة والتنمية ينحت تجربته السياسية مزاوجا بين مرجعيته الإسلامية وسلوكه الديمقراطي دون أن يتبنى علمانية تفصل الدين عن السياسة وتحشره في زاوية العبادات داخل المسجد بعيدا عن الشأن العام..
ولعل أجلى صور الصراع بين مسارين: الأول محافظ معتز بمرجعيته الإسلامية ومسار آخر حداثي متشوف للتجربة الأوروبية يتجلى في الصراع حول تطوير مدونة الأسرة بين مكونات لا ترى إمكانية هذا التطوير إلا في ظل الاجتهاد الفقهي الذي لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وأخرى لا ترى إمكانية هذا التطوير إلا بالاستجابة للإملاءات الغربية التي حكمت على الأسرة بالانقراض..
وسنرى في مستقبل الأيام فصولا من هذا الصراع بين حداثة مستعارة وأخرى محافظة معتزة بمرجعيتها الدينية.