في “أسلمة المعرفة”.. تفاعلا مع ذ. ياسين العمري

04 أكتوبر 2022 09:44

هوية بريس- محمد زاوي

شاءت أقدار الله تعالى أن أقرأ قبل خمس سنوات الأعمال المركزية في مشروع “أسلمة المعرفة”، بغرض إعداد دراسة كتبتها ولم أنشرها إلى اليوم.

قرأت لإسماعيل راجي الفاروقي وأبي القاس حاج حمد وأحمد عبد الحميد أبي سليمان وعماد الدين خليل والسيد حسين نصر وطه جابر العلواني، إلخ.

خلاصة المشروع أن أسلمة المعرفة تعني “الفصل بين الإحالات الفلسفية والاكتشافات العلمية، ثم ربط هذه الاكتشافات بفلسفة الإسلام” (بتعبير أبي القاسم حاج حمد في “منهجية القرآن المعرفية”)، وقد اجتهد بعض رواد هذه المدرسة وحددوا المبادئ الفلسفية التي أضاعتها الفلسفة الغربية وحافظ عليها الإسلام. ذلك ما عبر عنه عماد الدين خليل: “الوسائل غربية والغايات إسلامية”.

أبرز نقد يوجّه لهذه المدرسة هو الذي وجهه أحد أبرز متأخري “مدرسة فرانكفورت”، يورغن هابرماس، والذي قال باستحالة الفصل بين “التقنية وفلسفتها”، فهي في نظره ذات فلسفة تبقى ملازمة لها مهما حاولت الفلسفات الأخرى تطويعها؛ التقنية ليست محايدة إذن (نفس الأمر قال به مارتن هايدغر).

إذا كان هذا النقد مطروحا بخصوص العلوم التقنية والبحتة، فإن إعماله في العلوم الإنسانية والاجتماعية -حيث يكون الإنسان جزءا من الموضوع- أولى. ولذلك تنتظم نتائج ونظريات الأولى (العلوم التقنية والبحتة) في قوانين، فيما تنتظم الثانية (العلوم الإنسانية والاجتماعية) في قواعد.

“الأسلمة” إذن، بالنسبة للعلوم التي أنتجها السياق الغربي، لا نقول مستحيلة، ولكنها عملية شاقة وتطلب مجهودا كبيرا، لا يعيد قراءة الإنجاز الغربي وحده، بل الإسلامي أيضا. من عناصر مشروع “الأسلمة”، عند رواده أنفسهم، ربط العلوم والاكتشافات الغربية بنظيرتها الإسلامية (السابقة عليها)، يختلف الشرطان التاريخيان ولكن البناء العلمي الغربي (الحديث) لم يكن من فراغ ولا على “لا شيء” (محمد عابد الجابري في “مجنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد”، وعلي شريعتي في “مسؤلية المثقف”؛ ناقشا بعض ملامح هذا الموضوع).

فلنلقِ نظرة على زاوية أخرى من النظر؛ إن التقدم العلمي الحاصل اليوم يرافقه تخلف آخر أخلاقي وقيمي وفلسفي، بل واجتماعي. تتقدم قوى الانتاج، في شقها التقني والتكنولوجي أساسا، يرافقها بؤس فئات واسعة من سكان العالم، يعيشون الفقر الاجتماعي (إفقار مادي)، كما يستهدفون بإفقار آخر هو الإفقار المعنوي (الشذوذ والاستهلاك الفاحش والمخدرات والقمار، إلخ). تقدم في العلم والتقنية واكتشاف الخامات الطبيعية من جهة، واتساع هوة التفاوت الاجتماعي والمجالي من جهة أخرى؛ هكذا عبر المفكر السوفييتي إسحاق دويتشر.

هناك فرق بين “علم وعلموية” (“العلم والعلموية” فصل من كتاب “أفول الغرب” لمؤلفه حسن أوريد، يناقش فيه الفرق بين المفهومين/ مع دعوته إلى تعاقد جديد، “تعاقد وجودي” يكمل “التعاقد الاجتماعي”). العلم ضروري لاستمرار حياة الإنسان و”تحسينها” (“تحسين الحياة”، تعبير لإلياس مرقص)، ولكنه بغير فلسفة تسدد منحاه -قد- بل يصبح على النقيض من الإنسان، يتحكم فيه ويهدم ما بناه، ليس من العلم في حد ذاته، بل من الفئة التي “تنفخ فيه روح” فلسفة لا إنسانية ولا أخلاقية ولا تقدمية (= لا إسلامية، لمن فهم الإسلام حقا)، من أجل توظيفه لصالحها (الربح وفائض القيمة، على حساب الإنسان).

نقف عند هذا الحد، ونتساءل: الذين يتداعون لانتقاد “أسلمة المعرفة” بحدة، هل انتقدتم بنفس الحدة بؤس الذي تنتجه “هيمنة النموذج الغربي الحالي”؟!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M