في الجنة.. يُدفن الموت ويُبعث الأمان وتُغلق أبواب الوداع إلى الأبد

هوية بريس – إحسان الفقيه
في الجنة، لن يقول أحد: “سأرحل”، لن يقول أحد: “وداعا”.. لن يُخبرك أحدهم بأنه “لم يعُد يحبك” أو أن “رصيدك عنده انتهى”..!
في الجنة لن يُحمل الشوق فوق أكتاف الغياب، ولن يضبط العشاق ساعاتهم على توقيت الرحيل… هناك، لا يسافر الأحبة بلا عودة، ولا تنكسر القلوب بنصف تلويحة قد لا تقع على أحد!
في الجنة، لا صراع .. لا غيبة .. لا كذب.. لا تنافُس.. لا صُداع… لا صدمات تتطلّب أن نتحايل على الأطباء المغمورين للحصول على المُسكنات المحظورة،
في الجنة لا عيون تهزمها الدموع، ولا أمهات تصحو على مواجع صغارها ونداءات الجوع…
هناك، الحروب ذكرى بعيدة، والأنين قصة منسية… و الجروح تلتئم قبل أن تُولد، والحزن ليس له وجود ..
في الجنة، لا مرايا تُحصي التجاعيد
ولا نُفورٌ يشي بأن قافلة الشيخوخة قد شارفت على الوصول ..
ولا شعر يَبيضّ من الهم، ولا أجساد تتألم من تعب أو لعب…
السهر هناك لا يحتاج إلى قهوة، والحنين لا ينام على وسادة من شوك ..
هناك، تُولد من جديد، خفيفا، طريّا، نقيا، كما لو أنك لم تُخلق إلا للحب والطمأنينة وراحة البال.
في الجنة، لا أوامر تُكسر، ولا حدود تُغلق، ولا خوفٌ من سلطة، ولا ضوابط ترصد الخطوة ولا قانونٌ يحاصر الروح…
هناك، تُمنح الحرية كاملةً دون مُفاوضات أو مُطالبات،
هناك يُنسى القمع، والقهر، وتنطفئ كل لافتات الممنوع.
في الجنة، تنكسر قيود الزمن، لا صباح يُرهقك، ولا ليلٌ يُقلقك..
لا ملل يتسلل من الفراغ، ولا يأسٌ يطرق الأبواب..
هناك، ينتهي عهد التوقّف، ويبدأ زمن الامتلاء…
هناك، لا تنتظر شيئا، لأن كل شيء بين يديك.
الجنة، ليست وعدا مؤجلا، بل هي كل اللحظات التي طُويت قسرا، وكل الأمنيات التي ظلّت على عتبة “ربما” ولم تدخل.
هي اللقاءات التي أخلفها القدر، والطُرُق التي لم نصل نهايتها، والمقاعد الفارغة التي انتظرنا فيها من لا يجيء.
هي الوطن الذي لم تتسع له الخرائط، والحضن الذي لم تتقنه هذه الأرض الباردة، والصوت الذي لم تُنصفه المسافات.
الجنة… هي الأسماء التي غابت، والوجوه التي غُيّبت، والأحضان التي حُرمنا منها قبل أن نكتفي.
هي الانفراج بعد طول انقباض، والبهجة التي لم تجد فسحة في زحام الهموم…
هناك، لا تؤجّلُ المواعيد لأي سبب، ولا تُطفأ الأنوار فجأة، ولا يغيب الأحبة خلف أسوار القدر.
في الجنة، يسقط الحنين صامتا، لأنهم أخيرا وصلوا !
في الجنة تبتسم الأرواح التي أشقاها الانتظار، لأنها وجدت من أحبّت، دون خوف من الفقد، دون ساعة تُنذر بالنهاية.
الجنة… ليست نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية،
حين تُفتح أبواب الوعد، وتُولد الحياة كما تمنيناها، بلا نقص، بلا غصة، بلا ظُلم..
في الجنة، نُصافح محمدا ﷺ، ونروي له كيف صبرنا، وكيف ظللنا نذكره شوقا…وكيف أحببنا من أحبّوه ..وكيف قاتلنا من أجلهم لأنه أوصانا بهم..
هناك، نُقبّل جبينه، وتغمرنا نظراته، كما يغمر الضوء الفجر.
في الجنة… يُدفن الموت، ويُبعث الأمان، وتُغلق أبواب الوداع إلى الأبد.