قطعت قلبي يا سليمان

22 يونيو 2021 11:52

هوية بريس- أحمد ويحمان

*كلمات*
.. إلى صديق محترم

*قطعت قلبي يا سليمان*

قرأت، على التو، رسالتك التي تحمل تاريخ أمس الخميس 18 يونيو الجاري بغرفتي بفندق ببيروت في انتظار من يأخذني للمطار حيث ستقلع بنا الطائرة في طريق العودة إلى الوطن . كنت أقرأ الرسالة مقاوما لشعور الاختناق بدموع “الحݣرة” والشعور بالمهانة و عاودني شعور وتساؤل ملحان وجديان كانا قد استبدا بي، قبل حوالي عامين تقريباً، في زنزانتي الإنفرادية بحي العزلة بسجن توشكا بمدينة الرشيدية . كنت، في خضم تلك المعاناة أسأل : *ما معنى الوطن ؟* . ولا أخفيك، وقد هممت بالدخول، حينها، في الإضراب المفتوح عن الطعام، أنني قررت، بعد الخروج من السجن، إذا خرجت، مغادرة ” هذه القرية الظالم اهلها” [الوطن]وإلى الأبد .. حتى كان ما كان بعد الخروج والتفاف جميع الأحرار حول القضية .. ما رفع المعنويات وأعاد الأمل و القناعة بأنه ما يزال ” على هذه الأرض ما يستحق الحياة ” ..
صديقي العزيز لقد بلغتني عنك أخبار أخرى، غير مضمنة برسالتك، تبعث على القللق الذي داريته علينا .. فبعد تجاوزك السبعين يوما من الإضراب المفتوح عن الطعام، بدأت رجلك تتنمل و تنذر بالشلل وبنفس المخاطر تقترب، وفق خلاصة الطبيب، من الفشل الكلوي .. وما يزال الضغط الدموي ينخفض، عكسيا، بارتفاع الضغط النفسي جراء استفزازات ومضايقات السجانين …
نعم إنها منظومة “الحݣرة”
صديقي العزيز سليمان، لقد قرأت رسالتك، التي تدمي القلب، لاسيما عندما تحدثت – وأنت في تلك الحالة، في تلك العزلة التي لا يمكن أن يتمثلها ويقدرها حق قدرها، من لم يعشها وآلامها ومرارتها، خصوصاً، عندما تقرن بالظلم والإمعان في القهر – عن إبنك الذي لم يتم عامه الثاني !! وعندما، على طريقة اللعان، تحدثت عنه للقسم على ” الفعل الجرمي” الذي بسببه حشروك في هذه الزاوية لإخراس صوتك المجلجل بالحق في زمن طغيان الباطل وتسييده على امتداد الوطن ..
فما معنى الوطن ؟
كنت كلما عدت من السفر، لاسيما إذا كان بعيدا أو طالت مدته، أترقب بشوق، متى يعلن ربان الطائرة أننا دخلنا أجواء الوطن . و يزداد ترقبي، بشوق أكبر، لإعلانه نزولنا التدريجي لمطار الوصول ثم لحط الطائرة على أرضية المدرج .
هذه المرة يا سليمان لم أشعر بهذا الشعور بتاتا . كنت بمحنتك قد شغلتني، ليس فقط لأنك صديقي، ولكن لأنك نموذج للحݣرة العامة التي تجتاح الوطن من أقصاه إلى أدناه، لاسيما في السنوات الأخيرة .. كان طيفك، بما وصف حالتك شقيقك السي أحمد ، قبل أيام خلال زيارته ووفد من الحقوقيين لك بسجنك، لا يفارقني .. و من غرفة الفندق إلى المطار وعلى متن الطائرة وفي الأجواء العليا، طيلة أربع ساعات من بيروت إلى الدوحة ووقفة ساعتين بها ثم سبع ساعات أخرى إلى البيضاء، كان قسمك اللعاني بوضع ابنك في جواب الشرط قد شوش علي كل مشاعري .. ولذلك، خلاف العادة، لم يغير إعلان الهبوط التدريجي شيئاً من هذه المشاعر الملتبسة .. لا فرحة بدخول أجواء الوطن ولا بالنزول إلى أرضه قد هز أشواقي هذه المرة .. وأؤكد لك أخي سليمان أن السؤال الذي استبد بي ثانية، في خضم المشاعر المختلطة والغامضة إزاء حالتك القاسية، هو سؤال إنكاري أوضح : *ما معنى الوطن ؟* .
كنت يا سليمان كثيراً ما أردد مع شوقي :
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
لكنني بقسمك بجواب شرط ابنك قلبت في القلب المواجع يا سليمان .. فأصبحت أرجح قول الله على قول شوقي .
باسم الله الرحمن الرحيم ” … ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ” صدق الله العظيم .
وعسى ان نراك وعلى محياك ابتسامتك الطفولية قريباً يا سليمان .. عسى أن نراك وتعود القناعة ب ” أن على هذه الأرض ما يستحق .. البقاء ” !

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M