“قُبلة طنجة”.. عندما تُنتهك المعطيات والحياة الخاصة

05 يوليو 2025 18:56

هوية بريس – نبيل بكاني

في مدينة طنجة، وتحديدًا في ساحة 9 أبريل ذات الرمزية الوطنية والتاريخية، حدث ما يمكن وصفه بأنه صفعة في وجه القوانين والمؤسسات والمجتمع معًا. نساء وأطفال وجدوا أنفسهم أمام قصور أجهزة عمومية في حماية الفضاء العام من الانتهاك، مواطنون، حسب ما ورد في استطلاع صحفي نشرته وسيلة إعلام مغربية بتاريخ 2 يوليوز الجاري (موقع هبة بريس)، وجدوا أنفسهم في وضع مرتبك حين باغتهم طاقم تمثيل سينمائي بمشهد يضم أفعالًا مخلة بالحياء في فضاء مفتوح، دون سابق إشعار أو توضيح بأن المكان موقع تصوير.

قد يقول قائل: إنه “فن”. لكن، هل يمكن للفن أن يكون مبررًا لانتهاك القانون؟ وهل يُعقل أن يُستباح الفضاء العمومي ويُحوّل إلى مسرح مفتوح لمشاهد حميمية دون إذن، ودون حماية للمتواجدين؟! ما حدث لم يكن فقط فعلًا غير أخلاقي في نظر المجتمع المحافظ وفعلا الأفعال التي يعاقب عليها القانون، بل كان أيضًا انتهاكًا قانونيًا صارخًا لمقتضيات القانون 09.08 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، الذي ينص بوضوح على أنه لا يجوز تسجيل أو استعمال صور أشخاص يمكن التعرف على هوياتهم، دون موافقة صريحة منهم.

التوفيق يشرعن الربا

الخطر لا يقف عند التصوير فقط، بل يتضاعف مع احتمال إخراج هذه المشاهد إلى خارج البلاد وعرضها ضمن العمل الفيلمي على منصات عالمية مثل “نيتفليكس”، ما قد يجعل من وجوه أبنائنا وزوجاتنا وأمهاتنا، الذين ظهروا عفويًا في خلفية اللقطة، مشاهد متداولة في سياقات قد تكون إباحية، لقدر الله، بعد أن يتم استغلالها من طرف جهات متخصصة في قرصنة المشاهد المثيرة من الأفلام الأصلية، كما يحدث مع آلاف الأعمال التي تُنشر فيها لقطات حميمة، حيث يُعاد توظيفها في مواقع مشبوهة أو اباحية، من طرف “لصوص المِلكية الفكرية”، تاركة ضحاياها في دوامة نفسية وقانونية بلا نهاية.

وإذا وجد هؤلاء المواطنون أنفسهم، غدًا، ظاهرين في مشهد مخل معروض على “نيتفليكس” أو غيرها من المنصات الرقمية، فإن أبواب اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي مفتوحة في وجههم، بخبرائها واختصاصييها، للاستماع إليهم والنظر في شكاياتهم والتدخل العاجل وفق ما يمنحه لها القانون، لحماية كرامتهم ومعطياتهم وهوياتهم التي لم يأذنوا لأحد باستغلالها.

ما زاد الطين بلة هو صمت الجهات الرسمية. لا بلاغ، لا موقف، لا توضيح. وزارة الثقافة، المركز السينمائي، الجماعة الترابية، السلطات المحلية… الجميع في موقع المتفرج. هل تم التأشير على هذا السيناريو وهل كانت المشاهد المخلة معلنة منذ البداية فيه؟ أم الجهة المنتجة تجاوزت من تلقاء نفسها النص المرخص لتصويرهفي الفضاءالعمومي؟ هذه أسئلة مشروعة على البرلمان أن يطرحها، وعلى المجتمع المدني أن يلح في طلب أجوبة عنها.، والصحافة المحلية والوطنية أن تتحرى الحقائق وتستفسر المسؤولين وتستطلع أقوام وافادات المواطنين المتضررين من المشهد وشهود العيان خاصة المستقرين في الساحة المعنية من مستخدمي المقاهي ومسيري المحلات التجارية ممن عاينوا ما حدث.

القضية تتجاوز “قبلة في ساحة”، إنها اختراق صريح لخصوصية المواطن المغربي، وتهديد صارخ لقيم المجتمع، وهيبة الدولة، واستغلال خطير لفئات حساسة كالأطفال والنساء. لم تكن طنجة يومًا مدينة متسامحة مع الابتذال، بل كانت مهدًا للثقافة، وجسرًا بين الحضارات. أما أن تتحول ساحاتها التاريخية إلى فضاء لمشاهد هابطة، فهذا ما لا يمكن السكوت عنه.

في انتظار أن تتحرك النيابة العامة، وأن تتفاعل المؤسسات الرسمية، يبقى السؤال الكبير: من يملك اليوم قرار حماية الفضاء العمومي من التسيب تحت يافطة “الفن”؟ ومن يحمي المواطن من أن يُستغل كـ”كومبارس” في مشاهد قد تلاحقه بعدها العيون الافتراضية في أركان الإنترنت المظلم؟

الفن شيء جميل، بل هو من أرقى أشكال التعبير الإنساني، لكنّه في نهاية المطاف ليس فوق القانون، والمغاربة – نساءً ورجالًا وأطفالًا – ليسوا ديكورًا ولا فولكلورًا يُستغل ضمن مشاهد حميمية أو أفعال غير أخلاقية يجرمها القانون، لحصد الجوائز الدولية أو لعرضهم في شاشات المسارح العملاقة ومنصات البث الرقمية، دون إذن منهم، ودون أي احترام لكرامتهم أو لخصوصيتهم.

 

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
18°
24°
السبت
24°
أحد
24°
الإثنين
25°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة