كيف خدعتنا فرنسا في الحرب الماضية؟!

06 فبراير 2020 18:15
كيف خدعتنا فرنسا في الحرب الماضية؟!

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

تقديم

نشرت جريدة “الوحدة المغربية” الصادرة بتطوان في العاشر من نونبر 1939 هذا الموضوع الذي يتطرق لتوريط فرنسا المغربَ في الحرب العالمية الثانية مثلما فعلت به في الحرب العالمية الأولى، حيث يكشف هذا المقال الهام خداعها له، وهو ما بيّنه الفقهاء الذين كانوا يديرون الشأن العام، ومنهم كتاب وصحفيو جريدة الوحدة المغربية التي كان يصدرها الشيخ محمد المكي الناصري، مما يعني أنهم لم يكونوا غفلا ولا مغيبين عما يجري من حولهم وفي العالم.

النص

“كل المواطنين الأذكياء يعرفون اليوم ما ترمي إليه فرنسا من توريط المغاربة في دخول الحرب الحاضرة (العالمية الثانية) إلى جانبها ضد ألمانيا من أجل استقلال بولونيا، دون أن يكون لنا مع الألمانيين أقل ثأر نأخذهم به، ولا مع البولونيين أدنى رابطة تربطنا بهم، وكل المواطنين ينظرون بامتعاض إلى تصرفات السلطة الفرنسية التي تجبرهم على نصرة هذه القضية القائمة التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وهم يتابعون باهتمام زائد كل ما يواجههم يوميا من أحداث وتصرفات بقلب يقظ وعين مفتوحة!

نعم إن أكثر أبناء الجيل الوطني الجديد في كافة مناطق المملكة يجهلون تقريبا كل ما قامت به فرنسا في المغرب أثناء السنوات الخمس التي كانت الحرب العالمية الأولى قائمة فيها بين ألمانيا والحلفاء (1914-1918)، ولا يعرفون من مجريات الأمور في ذلك العهد إلا أقل القليل، لهذا رأينا من المفيد للجميع أن نأتي بنبذ مهمة في هذا الموضوع مختارات من مؤلفات وخطب الكتاب والسياسيين الفرنسيين المشاهير، حتى يطلع المواطنون على صفحة مجهولة من تاريخ بلادهم ومآسيها في ظل الحكم الفرنسي الغاشم.

جاء في كتاب (حمايتنا المغربية – notre protectorat marocain):

المغرب عند إعلان الحرب الكبرى

عندما أعلنت الحرب الكبرى سنة 1914 كانت السلطة الفرنسية قد شرعت منذ ثلاثة أشهر في عمليات حربية صعبة في تازة واخنيفرة، ولو تأخرت هذه العمليات عن الحرب لما استطاع الجنود الفرنسيون أن يفارقوا المغرب -على حد التعبير الفرنسي- من أجل الدفاع عن الحدود الفرنسية نفسها، وقالت الحكومة الفرنسية قولتها الشهيرة: “إن مصير المغرب سيقرر في اللورين“، وطلبت الحكومة الفرنسية من مقيمها العام الجنرال ليوطي أن يبعث جميع العساكر الموجودة بالمغرب تقريبا، وأن ينجلي عن جميع المدن الداخلية، وأن لا يحتفظ إلا بموانئ الساحل المغربي، مع الإصرار على أن يكون ذلك بأقل عدد ممكن من العساكر.

إلا أن الجنرال ليوطي رأى أنه إذا تقهقر من داخل البلاد فإن جميعها يضيع من يده، وأن المدن الساحلية نفسها ستصبح محاصرة بالقبائل التي يزيدها تقهقر الفرنسيين حماسا.

المجلس الحربي ينعقد

ولدراسة الحالة وتنظيم العمل انعقد بتاريخ 30 يوليوز 1914 مجلس حربي تحت رئاسة الجنرال ليوطي بحضور الجنرال كورو والجنرال هوري والجنرال برولار والكلونيل بيليطي، فقرر هذا المجلس استمرار العمليات العسكرية التي شرع فيها في المغرب، وأخذ يبحث الوسائل والطرق التي يخدع بها المغاربة عن حقيقة الأمر الواقع.

أساليب الخداع الفرنسي

وحيث أن إرسال الجيوش التي تحت السلاح إلى فرنسا أمر محتم، فلا بد من إخفائه عن عيون المغاربة حتى لا تندلع نار الثورة العامة بينهم، ولهذا وقع الاتفاق على إلباس جميع المعمرين الفرنسيين شيبا وشبابا ملابس العساكر، وعلى مطالبة الحكومة الفرنسية بأن تبعث للمغرب بعض فرق الاحتياطي الثاني التي ليست لها قيمة من الوجهة العسكرية العملية، ثم يرسل بدلها إلى فرنسا تلك الجيوش المنقطعة النظير في النشاط والصبر على لقاء العدو، وفي خلال شهر واحد ذهب من المغرب إلى فرنسا سبعة وثلاثون طابورا، وست فرق مدفعية، وفرقة من الخيالة، وخمس فرق فنية.

وقد وقع انتقالهم بكل هدوء دون أن يحس به المغاربة، كما تم مجيء فرق الاحتياطي الثاني من فرنسا إلى المغرب دون أن يلاحظه أحد، وحيث أن عدد هذه القوات العسكرية في الظاهر قليل جدا، فقد فرض عليها القيام بحركات لا تنقطع هنا وهناك حتى يخيل للمغاربة أن عددها عظيم.

كما أن حركة الأشغال العمومية تضاعف نشاطها، العمل في مرسى الدار البيضاء أخذ يزداد، وهكذا جرى العمل في الطرق والسكك الحديدية، يضاف لذلك أن نظام المحافظة العقارية (الذي قام على أساس تمليك الأجانب أراضي المغاربة) أخذ يخطو خطواته الأولى، ولم يلبث أن فتح معرض فرنسي مغربي في الدار البيضاء.

ليوطي في الدار البيضاء

وانتهز ليوطي فرصة افتتاح هذا المعرض فخطب خطبة جاء فيها: إن ما أردنا عمله في هذا المعرض هو عمل حربي، وقد ظهر لنا بسرعة أن هذه الحرب التي لم يسبق لها مثيل، تدور رحاها في كل نواحي الحياة، وأنها تستعمل كل الأسلحة، وأدركنا أننا في جميع مظاهر النشاط الإنساني يلزم أن نقاوم آلة الهدم والتخريب (يعني ألمانيا)، إننا نجيبها هنا في هذا المغرب الذي كان أحد الرهان الأولي بيننا وبينها في هذه المعركة، مثبتين إرادتنا لأن نحيى ونسعد ولا نستعبد (يعني من جانب ألمانيا).

إننا لنصرح بأعلى صوت أننا في هذا اليوم نفتتح معرض كفاح وصراع، وهذه المظاهرة من العمل السلمي لم يمكن أن تكون في جبهتنا المغربية إلا لأن كل يوم يمر علينا تتقدم فيها للطلقات النارية صدور، وتنتصب حراب، وتشتغل بنادق لحفظ سلامتنا وثروتنا.

خمسة آلاف فارس في موسم

وأشار ليوطي في أثناء هذه الخطبة بالدار البيضاء إلى أنه عند مروره بقصبة بن احمد وجد موسما قائما هناك… ووجد فيه خمسة آلاف فارس لابسين أحسن ملابسهم وراكبين أحسن خيولهم وهم يضربون البارود.. بارود الفرح والسرور، وذكر أنهم أسرعوا للالتفات حوله وهم سعداء مغتبطون بالصابة الجديدة والعدل المحقق والأمن الموجود والغد المضمون.

فكرة ليوطي الأساسية

كانت الفكرة الأساسية عند ليوطي أثناء الحرب الكبرى هو حفظ المغرب لفرنسا، ومساعدتها بكل ما فيه من موارد بحيث يرسل إلى حكومة باريس كل ما يساعدها على الانتصار، ولهذا اشتغل بتوسع في دائرة النشاط الاقتصادي في المغرب ونظم التكوين والميرة، ووضع أثمانا محدودة لشراء القمح والشعير والذرة والأصواف وجلود الماعز والظأن غيرها، وكانت الحكومة الفرنسية ترسل أيضا البذور اللازمة للفلاحة وترسل معها الخبراء الفلاحين.

فرنسا تربح 300 مليون فرنك ذهبا

ومن شهر غشت سنة 1914 إلى شتنبر سنة 1917، أي خلال ثلاث سنوات بعث المغرب لفرنسا من الصادرات مبلغ ثلاثمائة وسبعة وثمانين ألف 387000 طن، بينها من الحبوب وحدها 800 ألف قنطار، وربحت فرنسا من أجل بخس أسعار هذه المبيعات مبلغ 300 مليون فرنك ذهبا، وكانت هذه البضائع مخفض في ثمنها ثلث قيمتها في الأسواق العالمية الأخرى، وهذا المبلغ الذي ربحته فرنسا من الفرنك الذهب يساوي الآن 1500 مليون من الفرنك الحالي (هكذا يقول مؤلف الكتاب).

المغاربة في المعامل والمعارك

ومن جهة أخرى فقد ذهب للعمل في مصانع فرنسا خمسة وعشرون ألف عامل مغربي، ودخل من المغاربة في الجيش الفرنسي 12500جندي، على أن المستشرق الاستعماري مسنيون صرح في كتابه (تقويم العالم الإسلامي) بأن المغرب قدم لفرنسا أثناء الحرب العالمية ما بلغ عدده 34500 نفر كلهم ماتوا في ساحة القتال.

هذه نبذة أولى من الكتب الفرنسية نفسها نقدمها لقرائنا اليوم كما هي حتى يعودوا بأنظارهم للماضي القريب فيستخلصوا منها العبرة والموعظة، ويقدروا مبلغ ما كان فيه شعبنا من جهل وغباوة، ويعرفوا بالتدقيق شيئا من الأساليب الفرنسية الخداعة التي استعملتها فرنسا مع مواطنينا فيما مضى والتي تريد أن تجددها اليوم على حساب المغرب والمغاربة لمصلحتها الخاصة قبل كل شيء”.

تعليق

ما حذر منه في هذا المقال قد تكرر في الحرب العالمية الثانية بشكل أفظع، حيث زود المغاربة الجيش الفرنسي بالرجال والشعب الفرنسي بالغذاء، ولما انتصرت فرنسا، أرادت إقامة جمهورية فرنسية بالمغرب وعزل المغاربة على شاكلة ما فعلت بريطانيا في جنوب إفريقيا لكن مشروعها أسقطته المقاومة السياسية التي قادها الفقهاء والطلبة في مهدها (أنظر كتاباتنا عن “جرائم فرنسا بالمغرب” بـ”هوية بريس”).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M