لمّا أراد “الحداثي” أن يتعلم “التنوير” في “نقد البخاري”!!

20 مايو 2023 17:44
منزلة صحيح البخاري عند علماء المغرب (الفقيه الحجوي نموذجا)

هوية بريس- محمد زاوي

بعض قراء “الحداثة المتأخرة”، بعدما جفت أقلام الحداثة وزال بريقها بتوحش الرأسمال المالي؛ هؤلاء، العرب منهم خاصة، يمارسون نقدا ضعيفا، بل “لا حداثيا” للتراث.

اجتمعوا على نقد “صحيح البخاري” وكأن الحداثة تبدأ بنقده.

خاب سعيهم في تحصيل مختلف العلوم، الطبيعية والإنسانية، فتخصصوا في “علم” واحد هو “نقد صحاح السنة”.

لا يأبهون لا بتحديث السياسة ولا الاقتصاد ولا الإدارة، بل ب”تحديث التراث” في عقول الناس.

ما عدتهم في ذلك؟

كثير من الكلام، وقليل من العلم. نقد مستمر، ووعي مفتقر. “كلاميات جديدة” تتميز عن القديمة بكسل العمليات الذهنية، فلا هي من الكلام، ولا هي من الفلسفة، ولا هي من العلم بفرعيه الدقيق والإنساني.

لو عرفوا التاريخ لاحترموا “شاهدة” البخاري، لو عرفوا السياسة لاحترموا رسمية البخاري، لو عرفوا سوسيولوجيا الأديان لاحترموا رسوخ البخاري، لو عرفوا الحضارة لاحترموا عراقة البخاري، لو عرفوا الاقتصاد لفسروا البخاري بأصوله الاجتماعية (في الجمع والتداول)… عجزوا عن كل ذلك، فمارسوا أسهل النقد: “قدامة البخاري”!

فلنتساءل مع هؤلاء: لو ألغينا “البخاري”، ومعه كل التراث، هل يكفي ذلك لتقدم وعينا ووجودنا؟ أم أننا سنضيع “السماء” ومعها “الأرض”، الدين ومعه الدنيا؟

لا نسمع لهؤلاء النقاد ركزا، لا في مختبر، ولا في قاعة بحث. يجيدون الكلام في العموميات، يعجز أحدهم عن التمييز بين الحديث والسنة، بل قد يخلط بين المتن والسند؛ فأين هم من مناقشة الرجال؟ وأين هم من ممارسة “الجرح والتعديل”؟!

لا يحسنون نطق أسماء الرواة والمحدثين، فكيف يحكمون عليهم، وكيف يفرضون الرقابة على عدالتهم وضبطهم؟!

لا يحتكمون لمعيار ابن حجر العسقلاني في “النخبة” (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر)، فكيف يضعفون بالمتن اقتداء به في “فتح الباري”؟!

يعملون العقل في متن الحديث، فكيف يؤتمنون على نص القرآن؟ أليس التداعي على الوحي الثاني مدخلا وتمهيدا للتداعي على الوحي الأول؟ أليس التداعي على السنة تداعيا على “تفصيل المجمل” و”تفسير المشكل” و”نسخ المنسوخ” و”جمع الدليلين” و”تقييد المطلق” و”تخصيص العام” و”استقلال التشريع السني”…؟!

يتوهمون “الحداثة”، فما بهم نصبوا الخيام على أرض التراث، يأكلون من بقلها، ويجولون أرجاءها، ويشتد عودهم من إخراجها، ويسقون ظمأهم من مائها… هل هم في “الحداثة” أم في التراث؟!

يعيشون في التراث أكثر مما يعيش فيه أصحابه، فأين “التنوير”؟!

مرضوا بالتراث حدّ الهستيريا، فأين دواء “الحداثة”؟!

أين العقاقير بلا دعاء؟!

أين السواء بلا “بخاري”؟!

 

 

 

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M