لهؤلاء (وحدهم) أقول: الوداع

01 فبراير 2025 23:16

هوية بريس – عبد المولى المروري

وجدتني ملزما أخلاقيا وإنسانيا أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أولئك الأصدقاء المخلصين والصديقات المخلصات الذين عبروا كلهم عن تضامنهم العلني وتعاطفهم الواضح والصريح معي، دون خوف أو وجل أو تردد في مواجهة حملة التضليل والتشهير التي استهدفتني، وأشكرهم من أعماق قلبي لكونهم لم يصدقوا كل تلك الترهات والأكاذيب والأراجيف التي حاول ويحاول أصحابها إلصاقها بي والإساءة إلي من خلالها، واستهداف سمعتي قصد ترهيبي وإسكاتي، واغتيالي معنويا حتى لا يبقى لي موقع في المشهد الحقوقي، وأتوارى عن الأنظار رعبا أو رهبة .. فهؤلاء المخلصون الأوفياء الذين صمدوا في مواجهة كل تلك الإشاعات والأراجيف لهم مني كل التقدير والاحترام والتبجيل..

وإنني في الوقت نفسه لأقدر أولئك الذين عبروا عن تضامنهم خفية ودون الجهر من القول لأسباب أفهمها وأتفهمها وأقبلها، فليس من السهل اليوم التعبير بكل حرية، أو التضامن بكل عفوية مع مناضلين مضطهدين، نظرا لاستعداد وأهبة كتائب التشهير وشبكات التضليل لشن حملات مسعورة في مواجهة كل من عبر برأي مخالف أو تضامن مع مناضل مستهدف.. ولقد وصلتني من هؤلاء الأصدقاء المخلصين خلال الهجمة الممنهجة التي تعرضت لها العديد من رسائل التضامن والمؤازة الجميلة والمؤثرة التي رفعت من معنوياتي وخففت من وطأة التحامل والتشهير التي وكنت وما أزال أتعرض له ، وأجدد شكري لهم على تعاطفهم وتضامنهم..

يبقى أولئك الذين -للأسف الشديد- كانت تجمعني معهم ساحة النضال..

أولئك الذين أكدوا لنا من خلال سلوكهم -اليوم- أن النضال كان عبارة عن سلم للارتقاء الاجتماعي، ووسلية للوصول إلى بعض المناصب التي توزع بطريقة الكوطا لفائدة كل من استطاع تغيير قِبلة النضال أو تحريف وجهته إلى مسار التطبيل، وفي أحسن الأحوال إلى طريق الصمت الأبدي..

أولئك الذين كلما اقترب النضال من القضايا الحارقة أو لامس خطوط التماس المتوترة إلا واختفوا وراء عبارة «الصمت حكمة»، وسلكوا أو مخرج يؤدي إلى بر الأمان تحت ذريعة «الظرف غير مناسب»، أو «لا يجب التسرع أو التهور»!!

أولئك الذين كلما تعرض أحدهم لظلم أو استهداف أو تشهير من أي جهة أو شخص إلا ووجدونا هناك إلى جانبهم وفي صفهم، وعلى أهبة الدفاع عنهم والتضامن معهم ومؤازرتهم دون حسابات صغيرة أو تردد مضطرب.. بينما هم يضربون ألف حساب قبل التضامن مع من أصبح مغضوبا عليه رسميا، ومستهدفا أمنيا، ومستباحا إعلاميا، ويجدون لهروبهم ألف تبرير، وللتملص ألف حيلة ووسيلة..

أولئك الذين كانوا يعتمدون علينا أو الاستنجاد بنا للقيام بأعمال نضالية شاقة وخطيرة، وتضحيات مكلفة كلما قل عندهم المعين أو غاب عنهم النصير..

أولئك الذين ألفوا أن يملؤوا بنا الفراغات اعتقادا منهم أننا مجرد لاعبي احتياط مكاننا هو دكة البدلاء، وأنهم هم اللاعبون الأساسيون على المسرح، وبدونهم لن يكون هناك نضال..

أولئك الذين يستولون على المناصب ويستحوذون على المسؤوليات.. ويُدعون خلسة إلى فنادق خمس نجوم، ويجلسون بزهو في القاعات المكيفة وعلى المنصات المزينة .. ويتركوا لنا الساحات والطرقات تحت لهيب الشمس الحارقة ولسعات البرد القارس مع دخان السيارات الملوث وعِصي رجال الأمن المهينة..

أولئك الذين يعتمدون على أموالنا ووسائلنا الشخصية في النضال، ويكتفون هم بالكلام المنمق والتقاط الصور التذكارية مع المسؤولين والشخصيات لتزيين ألبوماتهم وصفحاتهم..

أولئك الذين يرون وعلى مقربة منهم المناضلين الشرفاء وهم يذبحون ويقتلون ويغتالون ويضطهدون وتنتهك أعراضهم وتغتصب حقوقه كل يوم وكل ساعة، بينما هم على شاكلة الرجل الميت الذي لا روح فيه، وهي حالة تعبر عن موت الضمير طبعا، لا عن خروج الروح.. يأخذون بالحياد السلبي، يلاحظون فقط، ولا يتدخلون ولا يناصرون.. بينما موقفهم ذاك ما هو إلا تواطؤ ضمني وخذلان مبطن..

إلي أولئك وحدهم أوجه لهم رسالة وداع نهائية، لا تحمل ندما عن كل التضحيات التي قدمتها بصدق وإخلاص، ولا أسفا عن كل الأوقات التي أنفقتها عن حب ورضا، وإنما هي رسالة مكتوبة بكل حروف الألم، وبمداد من وجع رهيب بسبب أبشع وأقسى عملية خذلان صادمة وغير متوقعة، أصابتني من طرف من كانوا بالأمس يطرقون بابي عند كل حاجة، ويتصلون بي كلما هَمَّ بهم خطب أو احتاجوا إلى دعم..

هي رسالة وداع مع وجع في القلب، وألم في النفس، وحرقة في الروح.. رسالة وداع أضع من خلالها أحمال علاقة لَفَّها وهم كبير اسمه النضال.. وأزيل عن كاهلي أثقال وهم آخر بأن رفاق وإخوة النضال هم على قلب رجل واحد!! لعل الوداع يداوي كل ذلك.. أما النسيان فلا مكان له في نفسٍ نُقش فيها خذلانهم بآلة حادة صنعت من مادة صلبة اسمها «استغلال الثقة»..

إن أكثر أنواع الخذلان مرارة ذلك الذي يأتيك من قبل من بالغت في وضع ثقتك فيهم طيلة سنوات ليقابلوها بخذلانهم في لحظات..

لهؤلاء وحدهم أقول: الوداع!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M