ما حدث هل كان ضروريا

ما حدث هل كان ضروريا
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
نعم، هذا سؤال رئيس، هل كان ضروريا، أن يحدث هذا الذي حدث ؟؟، هل كان ضروريا أن يخرج جماعات من الشبان والشابات، إلى شوارع هذا الوطن، ليحتجوا على غياب خدمات، كان من المفروض والبدهي جدا، أن تكون متوفرة، وتامة ومعممة، ومنذ زمان ؛ هل كان من المفروض أن يعيد علينا هؤلاء الشبان والشابات، مرة أخرى، وبطريقتهم وأسلوبهم، نفس المشاكل والمعوقات، التي لازمتنا إلى درجة الإدمان ؟، والتي كان من العادي جدا، أن نكون قد تخلصنا منها، ومنذ زمان، نحن الذين ندعي الإنتماء إلى الأمم الصاعدة، ونتحدث لغة الأوراش الكبرى، ونرصع خطاباتنا بعبارات التقدم والحداثة والنجاح ؛ كل هذه المطالب التي صدحت بها حناجر هؤلاء الشباب، كان من المفروض أن تكون وراءنا، وأن تكون من قبيل تحصيل الحاصل ؛ كل ما عبر عنه هؤلاء الشبان هو من قبيل السماء فوقنا ؛ وكم بدا غريبا أمر بعض الوزراء والمسؤولين، وهم يعبرون عن تقديرهم لهذه المطالب، والإستعداد للإستماع لأصحابها، والعمل على تنزيلها، ولست أدري أين كانوا قبل اليوم، وماذا كانوا ينتظرون، وهم يتناوبون على كراسي المسؤولية، حزبا حزبا، وقبيلة قبيلة، ويقفون كل يوم على معاناة المواطنين والمواطنات، مع أبسط شروط الحياة الكريمة. لا يجب أن نغرق كثيرا في مناقشة، طبيعة خروج هؤلاء الشباب، ومن يقف وراءهم، على أهمية هذا الموضوع، بقدر ما علينا أن نتجه إلى السؤال الصحيح والصريح ؛ لماذا تلازمنا هذه المطالب والأعطاب دائما ؟، لماذا وإلى حدود الساعة، بكل إرثنا الحضاري، وتاريخنا الثقافي والسياسي، وحكوماتنا المتعاقبة، ما زلنا نجتر نفس المشاكل والإخفاقات، بنفس التفاصيل والجزئيات المؤلمة ؛ لماذا مازلنا في :
_ قطاع الصحة، نبحث عن أبسط شروط العلاج والعناية، فلا نجدها، وفي أماكن معينة نفتقدها بالكلية ؛ لماذا نضطر إلى انتظار الطبيب لساعات، ليقال لنا إنه لن يحضر اليوم ؛ لماذا أجهزة الكشف معطلة، والأدوية غير متوفرة، والأسرة ممتلئة، حين يتعلق الأمر بالفقراء وذوي الحاجة من المواطنات والمواطنين ؟؟. إن حالة الإستنفار التي يشهدها قطاع الصحة هذه الأيام، تعني ببساطة، أن الخلل كبير، وأن التقصير واضح وفاضح.
_ وفي قطاع التربية والتعليم، لماذا مازلنا، وإلى حدود اليوم نبحث عن مجرد تحصيل التعلمات الأساس، وهو مصطلح أنيق، حتى لا نقول محاربة الأمية الأبجدية، في اللغات كما في العلوم ؛ لماذا نضطر، أو نقول إننا مضطرون، كل مرة، إلى استقدام مناهج جديدة، كما يقال، من بلاد بعيدة، وباعتمادات مالية ضخمة، وفي النهاية نحصد الفشل، وفي تلك التعلمات الأساس تحديدا، وتكون النتيجة ؛ أعداد من التلاميذ ينقطعون عن الدراسة، ويتضاعفون سنة بعد أخرى، دون أن نسأل إلى أين يتجهون وأين يختبئون الآن، وقبل الآن.
_ وفي قطاع الشغل يكفي أن نفكر في المعلومة التالية، والتي صدرت عن مؤسسة دستورية، ومفادها أن أكثر من ثلاثة ملايين شاب وشابة لا يفعلون شيئا، لا هم في مدرسة ولا في شغل ؛ معلومة تفيدنا في تفسير جزء من أحداث العنف والتخريب التي رافقت احتجاج هؤلاء الشباب ؛ وربما أيضا توظيف هؤلاء الشباب، لأغراض تتجاوزهم، وهو أمر عادي ومنتظر. لقد تحول موضوع الشغل، في الكثير من وجوهه عندنا، إلى جملة من الأحاديث النمطية الباردة، وإلى مزاعم وادعاءات انتخابية، لا تفيد شيئا في النهاية، ولا ندري تحديدا ماذا تفعل وزارات التشغيل، ولماذا يخفت صوتها في جل الحكومات المتعاقبة. إن كل ما طالب به هذا الشباب المحتج ببساطة، هو توفير الخدمات الرئيسة، التي لا حياة كريمة بدونها، التعليم، الصحة، الشغل، ثم محاربة الفساد، وهذه أعطاب قديمة، ما كان لها أن تكون وأن تستمر في بلادنا، لو توفرت الإرادة وارتفع الفساد ؛ فإلى متى سنضطر للإحتجاج في كل مرة، من أجل مطالب وخدمات عادية، يفترض بداهة أن تكون جارية وماضية ومتحققة، وفاء لشعاراتنا التي نرفعها، على الأقل ؛ بهذا المعنى يحق لنا طرح السؤال : هل ما حدث كان ضروريا ؟.



