متاهات الطرح العلماني والتيه المجتمعي

هوية بريس – د.أحمد اللويزة
طبيعي جدا حين يعمل تيار بي علمان كل ما بوسعه لإبعاد المجتمع عن شريعة ربه وهويته الدينية أن يرى انفراطا لعقد المجتمع، ودخولنا في متاهات الحرية الفردية التي تجعل المجتمع فسيفساء لا رابط بينها، ولا هم لأفراده إلا تحقيق التميز والغرابة وبلوغ ذروة اللذة التي تدعوا لها النفس الأمارة بالسوء، ولا يهمه بعد ذلك لا دين ولا أعراف ولا تقاليد تاريخية مجتمعية تتصف بالمروءة والوقار والعفة والرجولة والشرف.
إن الدين الإسلامي هو الذي يضبط سلوك الفرد داخل المجتمع الذي يدين بالإسلام، وعندما تنادي بالحرية الفردية تنادي بالتفكك والتسيب والعبث والفوضى وانقلاب مجتمعي، وهو ما نعيش عواقبه وهي وخيمة بلا شك ولا طاقة لنا بها، وهذا الواقع خير شاهد حيث نجد أنفسنا نتخبط ونخبط خبط عشواء رغم تعاقب الحكومات وتغيير المسؤولين وتبني الإصلاح الذي يبدو وكأنه مجرد شعار للمكر والخداع.
وبعد كل حصيلة تأتي فارغة ونتذيل مراتب التنمية والترقية، يحصل هذا بعيدا عن منظومة تنطلق من الإسلام لتعود إليه وإن كان بعض المَكَرة يلصقون هذا الفشل والضياع والتيه الذي تعيشه الأمة بالإسلام، وهو يعلم كما نعلم أن الإسلام يعيش تهميشا وإقصاء يوما بعد آخر، ولكنها حرب الوكالة على دين الإسلام، وهذا أحد فصولها الذي يقوم على نشر المغالطات حتى تصبح حقيقة لدى المتلقي، ويظن فعلا أن الإسلام هو العائق، بينما الإسلام اليوم يتم حصره في أبعد زاوية، لأنه بعد كل هذه السنوات لم يستطع بنو علمان وقد حكموا وتحكموا وتولوا المسؤوليات في مختلف المجالات تحقيق تنمية مستدامة ورقي اجتماعي واستقلال شمولي يقوم على القدرة على إنتاج مقومات الحياة من الطعام والشراب والدواء، ووسائل التفوق الحضاري القائم على إنتاج السلاح… والسبب هنا واضح؛ وهو غياب العقيدة المحركة والوفاء لمصالح الأمة والوطن، وخدمة مصالح الاستعمار والوكلاء للأسف.
فمنذ خروج الاستعمار بعد تنصيبه لوكلائه المخلصين والإسلام يتم تقزيمه من الحياة رويدا رويدا، على أمل إزالة أثره من الحياة العامة والشأن التنظيمي بشكل تام، حيث يحصل كل هذا في ظل هذا التخلف الذي يعيشه المسلمون على مختلف الأصعدة، وهذه كلها دلالات على أننا ماضون في التيه، وأن المسلمين في ظل تسلط بني علمان -الذين تسندهم قوى الاستعمار والاستغلال- لن يفرحوا بغد مشرق ولا مستقبل زاهر ولا حياة كريمة ولا استقرار متين، ونحن نقترب من قرن من الاستقلال ولا أفق يلوح بشيء مما تفرح به النفس يدل على أننا على خطى صحيحة تقود الأمة الى بر الأمان، وما تدخل جهات خارجية في مصير الأمة وفي أخص أمورها -مدونة الأسرة نموذجا- إلا دليلا شاهدا على هذا البؤس الذي نعيشه رغم ما يقال عن مظاهر التنمية التي ليست الا تنمية استهلاكية مظهرية لا عمق لها.
التاريخ شاهد لا يحابي ويؤكد أن أمة الإسلام لم تكن شيئا مذكورا إلا بالإسلام، وأن العرب الذين قادوا تاريخا حافلا بالرقي والازدهار مفعما بمعاني العزة والكرامة وامتدت حضارته من النهر إلى النهر ومن المحيط إلى الخليج، والتي كان فيها المغرب لاعبا مهما مكلفا بجهة الغرب ينشر الإسلام ويبسط العدل ويصنع الحضارة، كل هذا ما كان ليحصل لولا عقيدة الإسلام التي صنعت الرجال أصحاب المبادئ والمواقف والتضحيات.
والتاريخ يؤكد أيضا أن ما تعيشه الأمة اليوم من انتكاس وتدهور حضاري وتسلط الأعداء ما هو إلا نتيجة حتمية لغياب الإسلام من حياة المسلمين في جميع مجالاتها، وهذه حقيقة كونية تؤكدها الحقيقة الشرعية في قوله عليه الصلاة والسلام: (وجعل الذل والصغار على من خالف أمري) وقوله صلى الله عليه وسلم: (… سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا الى دينكم)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (ولينزعن الله المهابة من قلوب عدوكم منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)، وعليه فليعلم بنو علمان أن كل خطوة نحو شطب الدين من حياة المسلمين إنما هي زيادة في منسوب الذل وعمق التخلف، ومزيدا من التيه والانهيار، وهذا الواقع أمامكم خير شاهد.
نحن اليوم كشعب مغربي مسلم ضمن أمة إسلامية نعيش حالة من تغول العدو الجاثم على صدر الأمة، وفي كل مرة تزداد جرأته في ممارسة التسلط والقهر والتفنن فيه، ودونكم ما يمارسه ساكن البيت الأبيض اليوم من عنجهية كأنه الإمبراطور ملك الملوك الذي يأمر وينهى في أمة الإسلام، أمة العزة والكرامة والتأييد الإلهي، يحصل هذا مرة أخرى في ظل تغول بني علمان في بلاد الإسلام وتمكنهم من كثير من السلط، لم يترتب عليه إلا مزيدا من التسلط، جعل أفراد الأمة يعيشون ولا هم لهم إلا اللقمة، لكي تسد رمق الجوع بلا طموح ولا أهداف سامية تكون غايتها سيادة وقيادة وريادة تعيش في ظلها الأمة مرفوعة الرأس مهابة الجانب، ولا سيما وهي تملك أهم سبيل للكرامة؛ إنها عقيدة الإسلام، وتدين بدين رب الأرض والسماء الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك من يشاء.
وعلى أمل أن نستيقظ على غد مشرق وحلم متحقق بالكرامة والعزة، ها نحن لا زلنا أسرى في قيود بني علمان فك الله أسرنا وهدى القوم لأقوم السبيل.