مثال عملي للسيئة الجارية.. الفايد ومصطلح “الكهنوت”

هوية بريس – عبد الله العبولي
لطالما علمنا ان السيئة الجارية هي ذلك العمل القبيح الذي يفعله الإنسان ويراه الناس ويعجبون به، ويستمرون بالعمل به حتى بعد وفاة صاحبه، ومادام الناس لا يشعرون بالتعب من فعل ذلك العمل، فكذلك قلم السيئات لا يتعب، فيظل يجري عليه مادام الناس يداومون على فعلته، وقد رأينا أمثلة كثيرة على ذلك من واقعنا، لمغنيين قضوا نحبهم، ولايزال الناس يستمعون لأغانيهم، أو لمن بنى خمارة أو ماخورا، فما دخل إليه أحد وصنع منكرا الا وأخذ بانيه حظه من السيئات، وما فعله المسمى “محمد الفايد” لا يختلف كثيرا عن من ذكرنا، فمنذ استعماله مصطلح “الكهنوت” لوصف أشخاص هم أبعد مايكون ليوصفوا به، وأنا أشاهد تعليقات الناس تحت مختلف المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لا تدع شيخا من الشيوخ ولا داعية من الدعاة إلا وصفته بالكهنوت، جاهلين أساسا معناها ،ومنهم من أصبح يصفه بقاهر الكهنوت…
يا للغرابة وحدود التفكير!!!!!
ان الكهنوت الذي يقصده ذلك النكرة، هو جعل الفهم في الدين والأفتاء فيه حكرا على طائفة من الناس، ولا يسمح لغيرهم بذلك، وأن الدين يجب أن يتاح للجميع لفهمه دون الرجوع لمن وصفهم بالكهنوت، وهو ما أراه ويراه الكثيرون مغالطة كبييرة وفهما خاطئا ومعوجا، فالدين وببساطة ليس حكرا على طائفة بعينها أو جماعة دون غيرها، فإذا كان يقصد بالكهنوت علماء الدين العرب، فما أكثر العلماء غير العربيين، وإذا كان يقصد العلماء المغاربة على وجه الخصوص، فما أكثر العلماء خارج حدود مغربنا الحبيب، إذن فأي كهنوت يقصد؟ ومن هم الوحيدون المسموح لهم بفهم الدين؟
دعني أوضح لك عزيزي القارئ، أن الدين الإسلامي الحنيف، ليس كهنوتا، بل يمكن لأي كان أن يتعلم الدين، لكن كغيره من العلوم، لا بد أن تحتاج الى معلم يرشدك طوال فترة دراستك لكتب الدين سواء ما ارتبط منها بالفقه أو بالحديث أو بالأحكام أو غيرها…، ولا يمكن إطلاقا وبأي حال من الأحوال أن تقرأ كتابا أو كتابين أو عشر كتب باعتماد فهمك الخاص بحجة أنه لا يجب أن آخذ الدين من العلماء باعتبارهم كهنوتا، ثم تنصب نفسك عالما متقنا ضابطا مفتيا في أمور الدين، هذا أمر مستحيل بل ويخرج من التعقل ويقارب الجنون.
ثم باعتماد منطلق أعوج كهذا، يمكنني أنا أيضا أن أدرس كتابا أو كتابين أو عشرا من كتب الطب معتمدا على فهمي الخاص دون الرجوع الى علماء الطب “الكهنوتيين” الذين يحتكرون علم الطب لأنفسهم، ثم أنصب نفسي طبيبا متقنا متفانيا في عمله وأرى من هم دوني مجرد شرذمة لا يصلحون ليكونوا أطباء، وبهذا يستطيع الناس أن يدرسوا أي مجال يريدون باعتماد فهمهم الخاص دون الرجوع إلى الكهنوتيين في مختلف المجالات، وبهذا أيضا سيسمى كل عالم في مجاله بالكهنوت لأنه يحتكر ذلك العلم لنفسه ولا يسمح لأي كان أن يتعلمه حسب فهمه كما قال “غير الفايد”.
إن ذلك النكرة يريد أن يرسخ في أذهان الناس أن الجميع يستطيع أن يكون عالما في الدين باعتماد الفهم الخاص ودون الحاجة للعلماء، وما أشد ضلالة هذا القول، لأنه بذلك، لن سيخرج الدين من كونه من عند الله إلى كونه نابعا من فهم البشر وملائما لأهوائهم.
لقد أصبح الكثيرون يستخدمون هذا المصطلح لوصف أشخاص هم أتقى لله من أن يكونوا كهنوتا أو يزعمون أن لهم فهما لا يضاهيهم فيه أحدا، وإن لم يتب إلى الله ويرجع ويمت على هذا القول، فما من مخلوق قال هذا المصطلح لوصف العلماء فإنه عليه وزره دون أن ينقص من وزر قائله شيء، ونعوذ بالله من السيئة الجارية ونسأل الله الثبات.