مشروع تحريف معاني القرآن

هوية بريس – د.أحمد الشقيري الديني
تحريف “كلمة الله” بالزيادة والنقصان جرت على أيدي علماء السوء من أحبار ورهبان كما قص علينا ربنا سبحانه في كتابه الخاتم، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) وقال جل وعز ( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)؟!
ولما تكفل الله سبحانه بحفظ رسالته الخاتمة قرآنا وسنة، الأول حفظ في الصدور والصحف والنقوش، والثاني حفظ بالأسانيد وتمييز المقبول من المردود بعلم الحديث الدقيق، فإن الله تعالى نبهنا لخطورة نوع آخر من التحريف المتمثل في تحريف معاني النص الديني إذ يقول سبحانه وتعالى : (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه).
وعن ابن عباس في هذه الآية أن المراد من التحريف: فساد التأويل، بمعنى تحريف معاني الوحي.
وجيء بالمضارع (يحرفون) للدلالة على استمرارهم في هذا الفعل الشنيع..!
فإذا كان القرآن محفوظا من الزيادة و النقصان في ألفاظه، فإنه تعرض لتحريف معانيه في مراحل سابقة كان أشدها الحملات الباطنية على الوحي بادعاء أن للفظه ظاهرا وباطنا فحرفوا بذلك معانيه، فقد زعم ملاحدة الباطنية أن الرسل أرادوا إفهام الناس ما يتخيلونه وإن لم يكن مطابقا للخارج ويجعلون ذلك بمنزلة ما يراه النائم، فتفسير القرآن عندهم يشبه تعبير الرؤيا التي لا يفهم تعبيرها من ظاهرها، وهذا القول كفر بالله العظيم، فالله تعالى قال: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وتصدى لهم العلماء، كما تصدوا لتحريف مدرسة الاعتزال لمعاني القرآن وصفات الله تعالى..
واليوم نشهد حملة ممولة لتحريف الإسلام بدأت باستهداف السنة النبوية التي تقدم النموذج النبوي لتمثل معاني القرآن الكريم، فإذا تم إسقاط هيبة السنة في المخيال الجمعي سهل تحريف معاني القرآن بتحميل ألفاظه ما لم توضع له، فنشأت لهذه الغاية مؤسسات جمعت الزنادقة والمنحرفين وأعطيت لهم الإمكانيات المادية الهائلة وأتيحت لهم منصات إعلامية في الشاشة ووسائط التواصل الاجتماعي لتخريب العقول وتحريف الدين وإفساد التدين، مثل مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” ثم “مركز تكوين” وآخرها “مركز مجتمع” أو “منصة مجتمع”؛ والجامع بين هذه المؤسسات تذويب الحدود بين الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام حيث العمل على تمييع مفهوم الكفر والجنة والنار والجهاد واليهود والنصارى..إلخ
وقد نشطت هذه المراكز- أو ما بقي منها على قيد الاستمرار- بعد التبشير بالديانة الإبراهيمية واتفاقية أبراهام..
وسأورد هنا نموذج لتحريف مصطلحات القرآن التي يبشر بها هؤلاء المعتوهين، وتعمدت أن أخترع من بناتي أفكاري هذا النموذج بعد وقوفي على ضلالات هذه الشرذمة وطريقة تحريفها، والغاية أن أبرهن على سهولة وخطورة ما تقوم به هذه المراكز لأنها تعتمد على مقدمتين: الأولى تحييد السنة النبوية من مجال التأويل؛ والثانية اللعب على الحروف والألفاظ مع تلبيسها لبوس المنطق اللغوي لترويجها بين العوام الذين ليس لهم تكوين شرعي متين.
نموذج لتحريف معنى الصلاة
يمكن للقارئ أن يتأكد من لعب هؤلاء الزنادقة بألفاظ القرآن من خلال متابعة المسمى يوسف أبو عواد تلميذ شحرور والمسمى كيالي..
أقول لفظ “صلاة” يبدأ بحرف الصاد وهو من الحروف التي تتميز بصفة الاستعلاء والتفخيم في اللغة العربية، وبالتالي فنحن إزاء فعل أو كلام نتجه به لجهة عليا لها كل ما تتصوره من مظاهر الفخامة؛ وبعد الصاد يأتي حرف النفي “لا” بعد الصاد لتوجيه الفاعل إلى عدم الاستعلاء أو التكبر، فيلزمه الخضوع التام لتلك الجهة المتفردة بالعلو والكبرياء..
ومن هذا التفكيك للفظ الصلاة (أو بالأحرى الهراء) يتبين أن الصلاة هو كل تعبير عن الخضوع للذات العليا،وهذا يوافق المعنى اللغوي للصلاة باعتبارها من تجليات الدعاء..!
بهذا التحريف المتلبس بمنطق لغوي لا يراعي المعنى النبوي للصلاة لأنه يرفض السنة النبوية يتم استدراج الشباب العاكف على هذه الوسائط الاجتماعية إلى معنى جديد للصلاة ترافقه هالة من التقديس تستدعي مصطلحات التجديد والفهم المناسب للعصر الذي لا يحصر فهم النص الديني في الأجيال السابقة (فهم رجال ونحن رجال أمرنا بتدبر القرآن كما هم أمروا وتدبروا) ..
بعد أن يسلم القارئ بهذا التحريف للصلاة المسمى تجديدا أنتقل به إلى المرحلة الموالية، فأشرح له أن الصلاة هي كل خضوع وتذلل مصحوب بالتوجه بالدعاء لجهة عليا لها المجد..!
هكذا يتم تحريف معاني الوحي من هذه الشرذمة التائهة الممولة من جهات حملت لواء تحريف الإسلام استجابة لأسيادها النصارى واليهود..
لكن هيهات! فلن يكون مصيرهم إلا مصير من سبقهم من عتاة التحريف معتزلة وباطنية وغلاة الصوفية ومنحرفة الشيعة (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
ستموت مراكزهم وتتبخر نظرياتهم ويبقى البخاري ومسلم وسيرة ابن هشام وفقه مالك وطريقة الجنيد وعقد الأشعري وألفية ابن مالك ملهمة لأمة الإسلام خادمة لكتابها ودينها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم..
أما المنفقون بسخاء على تلك المراكز فسيحشرون -إن لم يتوبوا- مع من قال فيهم ربنا سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ)..