معضلة الصحافة اليوم في الزحف المتواصل للسلطوية البائدة

هوية بريس – حليمة الشويكة
التحدي الحقيقي الذي تعيشه الصحافة اليوم، ليس هو الزحف المتواصل للتكنولوجيا الحديثة كما يزعم البعض، وإنما معضلة الصحافة اليوم في الزحف المتواصل للسلطوية البائدة. وفساد هذه المهنة النبيلة بدأ من بيتها الداخلي الذي لم يحترم القواعد الأخلاقية والقانونية ولم يحترم القواعد الديمقراطية في انتخاب مجلسها المعطل بلجنة مؤقتة تعمل ضد الصحافة والصحافيين.
لن أسترسل في الحديث عن حيثيات المجلس الذي تحول إلى لجنة مؤقتة قاربت على انهاء سنتها الثانية.. فهذا المسار الدراماتيكي يعرفه أبناء الدار والمتابعون للشأن الصحافي، كما يعرفون أنه نتاج وضع سياسي بئيس تواطأ فيه على الصحافة بعض من المحسوبين عليها.
لكن سأتحدث هنا عن توظيف السوسيولوجيا في هذا المسار الدراماتيكي الذي تعيشه الصحافة المغربية. مع العلم أن السوسيولوجيا منذ نشأتها هي أكثر العلوم الانسانية بعدا عن السلطوية وعن التوظيف التبريري لأفعالها. بل هي العدو التاريخي للهيمنة والاستبداد. فالعجب كل العجب ممن وظف رموزها لتبرير المحاكمات اللأخلاقية ضد حرية الرأي والتعبير.
ويزداد العجب والاندهاش من استدعاء أحدهم لهرم من أهرام السوسيولوجيا -بيير بورديوـ صاحب كتاب (الرمز والسلطة) والذي لا أعرف كيف اقتطع بتعسف بعضا من كلامه دون سياق ولا إلمام ـربماـ بمنهج هذا السوسيولوجي، الذي لا يمكن فهمه إلا من خلال مفاهيم أغنى بها حقل السوسيولوجيا؛ من قبيل العنف الرمزي وإعادة الإنتاج والهابيتوس والرأسمال الثقافي …كما أنه من أهم ممثلي المقاربة الصراعية التي تهدف إلى تعرية واقع الهيمنة والسلطة والتمركز الطبقي.. والذي ألف أزيد من 40 كتابا و مائة مقال ليكشف عن الطريقة التي يعيد بها المجتمع إنتاج التراتبية الطبقية. وذلك عبر تركيزه على العوامل الثقافية .. سوسيولوجيا بيير بورديو هي باختصار سوسيولوجيا تنتقد اللبيرالية المتوحشة. لذلك فلا يصح الاستشهاد به لخنق الرأي الحر الذي يساهم في فضح رموز الفساد.. بل تصلح أفكاره للصحافة النبيلة فعلا، تلك الصحافة التي نفتقدها(إلا قليلا) .. تلك الصحافة التي تساهم في بناء الوعي وفضح كل أشكال الهيمنة.
أما من أراد التبرير للسلطوية فما عليه سوى البحث في كتب التاريخ عن سرديات براجماتية وميكيافلية لعلها تسعفه.
وأختم هذه السطور بما قاله بورديو في كتاب السلطة والرمز في الصفحة 17: “لا يمكن لعلم الاجتماع أن يقوم إلا إذا رفض الطلب الاجتماعي الذي يلتمس وسائل لإضفاء المشروعية وأدوات للتحريض. وعالم الاجتماع، ليست له مهمة يُسخر لها ولا غاية انتدب من أجلها، اللهم تلك التي يفرضها عليه منطق بحثه”.