مفهوم الحياة وخطاب التواصل

18 فبراير 2025 20:49

هوية بريس – ابراهيم الناية

إن التجاذبات الفكرية في الساحة الثقافية تثير أكثر من تساؤل، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الأكثر إثارة في عالم الأخلاق والاقتصاد والفكر والسياسة ،واثناء هذا العراك لا يمكن استبعاد البعد الايديولوجي اثناء التحليل. لأن كل باحث يصدر في رؤيته عن خلفية فكرية، تشكل مواقفه ورؤيته للحياة. ولكن يبقى الأمر متروكا للموضوعية والاخلاص للمبادئ التي يتبناها كل فصيل. فاحيانا نرى الاندفاع الغوغائي الذي تكون نتيجته من جنس عمله. كما نرى الرزانة العلمية التي تتسلح بالعلم وشمولية المعرفة، ويظهر التقابل جليا بين التيار الذي ينتمي الى الاسلام وبين دعاة التغريب والنظرة المادية للحياة الذين يصدرون في رؤيتهم عن حقل الثقافة الغربية ،وهذا التقابل لم يكن وليد اللحظة بل قديم ولكنه يتشكل وفق الظرفية التاريخية والنمط الفكري السائد ،فقد واجه اسلافنا حضور الفلسفة اليونانية ومنطقها بكل وسائل المعرفة العلمية. وابانوا عن تميز في العقل والثقافة. لأنهم ينتمون الى رسالة السماء المجسدة للعلم والايمان. ونحن اليوم نواجه هجوما يستعمل مختلف أسلحة الاستمالة من اجل اقتلاعنا من جذورنا، ولكن الرؤية التي لم تؤسس على العلم والصدق لا يمكن ان تصمد امام اعاصير الزمن.

ينطلق دعاة الثقافة الغربية من المفهوم المادي للحياة. وينكرون كل ما لا ينسجم مع هذه الرؤية. بينما ينطلق الاسلاميون من الايمان بالله كمنطلق لكل تمفصلات الحياة الانسانية. ولذلك تتميز شخصية الانسان المسلم بتميز الاسلام عن بقية الخطابات البشرية، فقد اضحت رؤيته ونظرته للحياة مجسدة لمواقفه وسلوكاته واسلوب دعوته، واستقلال عقله وارادته. فهو يرفض التبعية بكل اشكالها والوانها. ويختلف عن الذين يمارسون التضليل رغم ادعائهم للاسلام. -فقد اصبحت اهدافهم مفضوحة. وتصب في خدمة اعداء الاسلام – بخلاف التوجهات العلمانية التي ترى في التبعية والتفكير بعقل الاخر. وبذل الجهد في الترويج لمفاهيم واخلاقيات الثقافة الغربية بكل توجهاتها نموذجا يتعين الاقتداء به، وبذلك يمثلون استلاب الذات والشخصية.

فكيف يقدم الماديون والاسلاميون مفهوم الحياة؟ وكيف يمارسون اسلوب التواصل والحوار مع الاخر؟

لقد تميز خطاب الرؤية الغربية بنوع من الاستعلاء وتحقير معتقدات الاخر والنظر اليه بالنقص والدونية وكانه المالك للحقيقة والعقل المطلق، وهو أمر موروث عن الحركات الاستعمارية، بل ان هؤلاء العلمانيين لا يتورعون بنعت المخالفين بالظلامية والتخلف. ويقدمون انفسهم على انهم المنقذون للبشرية. ولكن المنطق العلمي لا يقبل هذا النمط، بل يرى انه يدل على خواء معرفي وضحالة في التفكير بخلاف الخطاب المقابل الذي يتميز بالتواضع والتعامل مع الاخر بكل هدوء لان الامر يعود الى العقيدة التي تحمل في طياتها البعد الاخلاقي والانساني.

وقد يتساءل البعض عن معنى الحياة في غياب المتاع المادي بل يذهب بعيدا الى القول : بانه لا داعي لهذه الحياة اذا كان سيعيش فقيرا لا يستطيع تلبية حاجاته واشباع غرائزه. ولكن الذي لا يعرفه السائل ان كثيرا من الخلق يحيون حياة الثراء المشبعة بالترف والملذات. ولكنهم في الآن ذاته لا يتذوقون حلاوة تلك الحياة ويشعرون بالقلق والشقاء رغم وفرة الجانب المادي، وهنا لم يتفطن هؤلاء الماديون ان الاعراض عن ذكر الخالق تترتب عنه تلك الحياة التي يعيشونها “ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى” الآية 122 سورة طه.

ولكن لا ينبغي ان يفهم من هذا انها دعوة الى البؤس والحرمان والى مغادرة مربع الحياة، ولكن الا تكون الحياة المادية هي هم الانسان الاكبر. لان المنطق يقول ان الانسان راحل عن هذه الدنيا لا محالة. ويجب ان يكون جهده منصبا على الاستعداد لحياة الخلود الابدية. لكن كيف يمكن معالجة هذه الوضعية البشرية ونقلها من حالة الاضطراب الى حالة الهدوء والاستقامة.؟ فعندما يعم الطغيان والفساد وتنحرف الاوضاع عن قانون الحق والهدى الذي خلق الله الكون والحياة والانسان وفقه ويحتاج البشر الى من يعيدهم الى سبيل الهدى. فالله يرسل الرسل والانبياء ويكلفهم باداء مهمة رسالته، ولكن بأي اسلوب؟ وبأي معنى؟ هل بطريقة الشدة والغلظة؟ ام بأسلوب الرحمة والرفقة؟

فالايتان من سورة طه 42و43 “اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى” ترسمان الخطوط العريضة التي يتعين على المصلحين والمربيين اتباعها والالتزام بها اثناء ممارستهم لعملية التربية والتوجيه وتصحيح الاخطاء، فلابد للمربي ان يسلك طريق خفض الجناح واللباقة وليونة القول والا يكون فظا غليظ الطبع لكي لا يكون منفرا بل عليه ان يأخذ الناس برفق ومحبة حتى تكون له مكانة في قلوبهم ويتمكن حينئذ من تبليغ مقصوده ،ولقد ورد ان احد مسؤولي الدولة العباسية جاءه ناصح فاغلظ عليه القول فقال له المسؤول : ان الله ارسل من هو افضل منك الى من انا افضل منه، فقال :”فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى.” فالناس يعيشون اوضاعا مزرية وامراضا اجتماعية ونفسية ومشاكل صعبة. ويحتاجون الى اطباء النفوس والعقول ومن ينظر اليهم بعين الرحمة والشفقة. وان يبتعد عن اسلوب اصدار الاحكام القبلية قبل اتخاذ الاسباب لانه عندما يصدر الحكم فماذا بقي للمربي ان يقول؟ ولكن افضل طريقة في ايصال الفكرة الى الناس هي السلوك والممارسة ،فما تريد قوله بلسانك عليك ان تقدمه بسلوكك وفعلك ،وهنا يكون التأثير والتقبل لانك استطعت ان تعطي القدوة والنموذج ،سيما ان الناس قد ملوا من الكلام والخطاب ،فما يعني الناس هو ما تفعل اكثر مما تقول، ويكون كل ذلك مغلفا بالحنان والعناية بالشخص. ولكن لا ينبغي ان يفهم من هذا ان الانسان يتعين عليه ان يتساهل او يتخلى عن المبادئ والقيم. فالتربية لابد لها من ترغيب وحسم. ولكن ان يتم ذلك في انضباط ولباقة وهذا ما يفتقر اليه اتباع الثقافة الغربية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
21°
20°
السبت
22°
أحد
24°
الإثنين
21°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M