من أجل تدبير إسلامي وطني لورش مدونة الأسرة

هوية بريس – د. عبد الكبير حميدي
يثير إصلاح مدونة الأسرة المغربية جدلا قديما متجددا في المغرب، في ظل محاولات بعض الجهات الداخلية والخارجية، الضغط من أجل إدخال تعديلات تتماشى مع رؤاها وقيمها. ويمكن إجمال الموضوع وتأثير ضغوط الغرب وأذنابه على هذا الإصلاح كما يلي:
الضغوط الغربية المباشرة:
أولا: ضغوط المنظمات الدولية: مثل الأمم المتحدة أو مؤسسات حقوق الإنسان، التي تشدد على ضرورة تعديل قوانين الأسرة لتتماشى مع ما يسمى بـ “المعايير الدولية” لحقوق الإنسان، خاصة في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وإلغاء التمييز.
ثانيا: الأجندات النسوية الغربية: إذ يروج لهذه التعديلات باعتبارها خطوات نحو تحقيق “الحداثة” و”الديمقراطية”، مع تجاهل واضح للخصوصيات الدينية والثقافية للمجتمع المغربي.
ثالثا: التمويل والابتزاز السياسي: الغرب يستخدم أدوات مثل المساعدات المالية والاتفاقيات التجارية كورقة ضغط لفرض هذه الإصلاحات.
دور الأذناب الداخلية (التيارات الليبرالية والعلمانية):
أولا: تشويه المرجعية الإسلامية: فبعض التيارات العلمانية تقدم مدونة الأسرة الحالية على أنها رجعية قديمة وغير منصفة للمرأة، وتطالب بتغييرات جذرية واسعة، تشمل المساواة المطلقة في الميراث، وإلغاء ولاية الزواج، ورفع سن الزواج، وتغيير المصطلحات الشرعية.
ثانيا: الحملات الإعلامية المغرضة: إذ تستغل وسائل الإعلام المحلية والدولية للترويج لفكرة أن الإصلاح ضرورة “حداثية” تلبي تطلعات المجتمع، مع تشويه الرافضين لهذه التغييرات ووصفهم بالرجعية والماضوية.
ثالثا: تقويض دور العلماء والفقهاء: تجاهل دور العلماء الشرعيين وإبعادهم عن النقاش، بحجة أن الإصلاح شأن قانوني بحت.
موقف الشعب المغربي وقواه الدينية:
أولا: المرجعية الإسلامية: يقوم موقف الشعب وقواه الحية بالمغرب، على اعتبار المغرب دولة إسلامية، ينص دستوره على أن الإسلام هو دين الدولة. لذا، فإن أي إصلاح يجب أن يكون منسجما مع مقاصد الشريعة الإسلامية.
ثانيا: العلماء والهيئات الدينية: موقف العلماء والهيئات الدينية، هو معارضة التعديلات التي تتعارض مع الشريعة، مثل المساواة في الإرث، ويرون أن هذه الضغوط تهدف إلى تفكيك الأسرة المغربية.
ثالثا: المجتمع المغربي المحافظ: قطاع عريض من الشعب المغربي يتمسك بالقيم الإسلامية، ويرفض التعديلات التي يرون أنها مستوردة، ولا تراعي خصوصية المجتمع.
الحلول المقترحة:
لإنجاح تنزيل مدونة للأسرة تحفظ هوية المغاربة ودينهم، نقترح مجموعة من السبل التي يمكن اعتمادها على مختلف المستويات السياسية، الحقوقية، والإعلامية، لضمان توافق المدونة مع المرجعية الإسلامية والمقاصد الشرعية، مع تعزيز العدالة الاجتماعية وحماية حقوق جميع الأطراف. وفيما يلي أهم السبل المقترحة:
أولا: على المستوى السياسي:
-تعزيز السيادة التشريعية: من خلال التأكيد على استقلال القرار التشريعي المغربي عن الضغوط الخارجية، خاصة تلك التي تسعى لفرض نماذج مستوردة تتعارض مع الهوية الدينية والثقافية للمجتمع. وإصدار قوانين واضحة ترسخ دور الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع في مدونة الأسرة، بما ينسجم مع نصوص الدستور المغربي.
-إشراك العلماء وأهل الخبرة: وذلك بتشكيل لجان وطنية تضم علماء الشريعة، وخبراء القانون، وعلماء الاجتماع، وممثلين عن المجتمع المدني، لصياغة المدونة بأسلوب يراعي المقاصد الشرعية والعدالة الاجتماعية. وتقوية دور المجلس العلمي الأعلى في تقديم التوجيهات والفتاوى المتعلقة بالقوانين الأسرية.
ج- الحوكمة الرشيدة: من خلال تعزيز الثقة في المؤسسات من خلال آليات شفافة لصياغة ومراجعة القوانين. وتقوية دور البرلمان في مناقشة قضايا الأسرة، وتمثيل المجتمع المدني في صياغة هذه النقاشات.
ثانيا: على المستوى الحقوقي:
–دعم الحقوق المستندة إلى الشريعة: بإبراز كيف أن الشريعة الإسلامية حققت التوازن بين الحقوق والواجبات في الأسرة، وشرح الأحكام المتعلقة بقضايا مثل الميراث، الطلاق، والزواج من منظور شرعي عادل. والموازنة بين حقوق المرأة والرجل والطفل كما حددها الإسلام، والرد على حملات التشويه التي تصور الشريعة بأنها تقصي المرأة أو تظلمها.
-إطلاق حملات توعوية: وذلك بإعداد برامج تدريبية، وورش عمل موجهة للقضاة والمحامين والجمعيات الحقوقية، لتوضيح أسس مدونة الأسرة الإسلامية وكيف تحقق العدالة. والتعاون مع المنظمات الحقوقية الوطنية، لتوضيح طبيعة الشريعة الإسلامية، كمنظومة متكاملة تضمن الحقوق وتحقق التوازن.
ج- بناء تحالفات وطنية: بتوحيد جهود الهيئات الإسلامية، والجمعيات المدنية، والمنظمات الحقوقية للدفاع عن مدونة أسرة متوافقة مع الشريعة. ودعم المبادرات الشعبية التي تطالب بالتمسك بالقيم الدينية والثقافية في التشريع.
ثالثا: على المستوى الإعلامي
-نشر الوعي الإعلامي: بإنتاج برامج وحوارات إعلامية، ينشطها العلماء والخبراء، تبرز عدالة الإسلام في قضايا الأسرة، وتفسر الأحكام الشرعية المتعلقة بالميراث، الزواج، والطلاق. وإنشاء قنوات تواصل فعالة بين الإعلام وعلماء الشريعة، لتوضيح قضايا الأسرة من منظور شرعي مقنع للجمهور.
-التصدي للحملات المغرضة: وذلك بإطلاق منصات إعلامية وإلكترونية مخصصة للرد على الشبهات التي تستهدف مدونة الأسرة أو الأحكام الإسلامية. وتسليط الضوء على النجاحات العملية للنظام الإسلامي في تحقيق التماسك الأسري مقارنة بالنماذج المستوردة.
ج- تعزيز القيم الإسلامية: بإنتاج أفلام ومسلسلات وبرامج وثائقية، تبرز دور الأسرة في بناء المجتمعات، وتؤكد على أهمية التمسك بالقيم الإسلامية في العلاقات الأسرية. وتسليط الضوء على النماذج المشرفة من الأسر المغربية الملتزمة بهويتها ودينها، كمصدر إلهام للأجيال القادمة.
رابعا: على المستوى الاجتماعي والتربوي:
-إدماج قضايا الأسرة في المناهج التعليمية: بتضمين المناهج الدراسية مواد تربوية تعرف بأهمية الأسرة في الإسلام وأحكام الشريعة المتعلقة بها. وتنظيم حملات توعية في المدارس والجامعات لتعزيز القيم الأسرية الإسلامية.
-تفعيل دور المجتمع المدني: بتمكين الجمعيات الإسلامية من المشاركة في صياغة السياسات الأسرية، والتعريف بقيم الأسرة في الإسلام، وتشجيع مبادرات المصالحة الأسرية، وحل النزاعات بالطرق الشرعية بدلاً من اللجوء إلى التقاضي.
ج- بناء مجتمع متدين واع: من خلال نشر قيم الحوار والاحترام داخل الأسر، لتقوية العلاقات بين أفرادها، ودعم الأبحاث والدراسات التي تبرز دور التشريعات الإسلامية في تحقيق الاستقرار الأسري.
خاتمة:
من خلال تفعيل دور علماء الشريعة وخبراء القانون، وتنسيق الجهود بين المؤسسات السياسية، والحقوقية، والإعلامية، يمكن تنزيل مدونة أسرة تحفظ على المغاربة هويتهم ودينهم، مع تقديم نموذج مشرف يوازن بين القيم الإسلامية ومتطلبات العصر، مع الحفاظ على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، هو صمام الأمان لاستقرار الأسرة والمجتمع المغربي ككل.