من للتطرف العلماني المسكوت عنه؟

02 فبراير 2025 20:19

هوية بريس – نور الدين درواش

لقد أقام الله سبحانه وتعالى دين الإسلام على الوسطية والاعتدال فقال سبحانه وتعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةً وَسَطَا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدَاۗ) [البقرة:143].

وقد نبذ الإسلام التطرف وحاربه من خلال نصوص القرآن والسنة لأنه يُبعد صاحبه عن الحقيقة الشرعية التي أرادها الله من عباده.

هذه الحقيقة التي ينحرف عنها الناس بمجرد ابتعادهم عن نصوص الشريعة إما جهة الغلو والإفراط أو جهة التساهل والتفريط.

ولأسباب متعددة لا يتسع المقام لذكرها انخرط العالم الإسلامي مُرغما في الحرب الأمريكية على (الإرهاب) بعد حادثة نيويورك التي ما تزال لغزا، وبعد قرار بوش (من ليس معنا فهو ضدنا).

هذا الإرهاب هو في أصله لون من ألوان الغلو والإفراط في التعامل مع العصاة أو الذميين أو المعاهدين والمستأمنين…

وقد انخرطت أغلب المؤسسات العلمية الشرعية سواء على سبيل الإلزام الرسمي أو الاختيار المنهجي في هذه المواجهة للغلو في التكفير وما نجم عنه من تقتيل وتفجير لا تقره الشريعة ولا نصوصها وقواعدها ومقاصدها…

لكن الذي غفل عنه الجميع أو صُرفوا عنه؛ هو أن هذه الحرب على الإرهاب قد فسحت المجال لكل المعادين للإسلام والمناوئين له من حملة الفكر اللاديني إلى بسط نفوذهم على المشهد الفكري والإعلامي والثقافي طاعنين في مُسَلَّمات العقيدة الإسلامية، والأحكام الشرعية مما اتفق عليه علماء الإسلام من المذاهب الأربعة وغيرهم ومما لا يدخل في دائرة المختلف فيه أو الاجتهادي الذي يقبل النقاش والأخذ والرد.

بل وصل كثير منهم إلى الطعن في الإسلام بالكلية، والتنقص من الذات الإلهية ومن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

هذه الظاهرة جرت المغرب إلى تطبيع خطير مع تطرفٍ آخر مقابل للتطرف الإرهابي وهو التطرف العلماني الذي يهدد الهوية المغربية الإسلامية.

فقد نص دستور المملكة في ديباجته على أن “أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها”، ونص بعدها على أن الأمة في حياتها العامة تستند على ثوابت جامعة وجعل أول هذه الثوابت هو الدين الإسلامي السمح، ثم نص على أن” الإسلام دين الدولة”، كما نص على أنه لا يجوز أن يكون هدف الأحزاب السياسية المساس بالدين الإسلامي”.

إن كل مناهضة لهذه الحقيقة التي هي محل اتفاق بين أطياف الأمة المغربية يعدّ تطرفا آخر مقابل للتطرف الذي حاربناه ربع قرن من الزمن بل أكثر.

وهذا التطرف العلماني المسكوت عنه والمطَبَّع معه؛ حقيق بالذين يريدون الخير لهذه الأمة المغربية العريقة أن يجتمعوا على مواجهته وحربه ومنعه من استغلال المشهد السمعي البصري الرسمي وغيره.

فحين يصف “عصيد” في ندوة نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على هامش انعقاد مؤتمرها العاشر قبل أكثر من عشر سنوات النبي ﷺ ورسائله إلى الملوك بالإرهاب فيقول: “أنه لا يجب تدريس التلاميذ في الثانوي رسالة النبي محمد التي أرسلها لملوك وحكام ذلك العصر، يدعوهم فيها للإسلام، وتبتدئ بعبارة أسلم تسلم، لأنها رسالة إرهابية تهديدية”.

أليس هذا تطرفا يستهدف النبي صلى الله عليه وسلم..؟؟

أليس من التطرف استضافة هذا الناشط المُشَغِّب على ثوابت الأمة المغربية والمشوش على عقيدتها والمخالف لدستورها في القنوات الرسمية؟؟

أليس من التطرف تجييش الترسانات الأمنية والقضائية والإعلامية لمحاربة التطرف الخارجي [نسبة للخوارج]، مع غض الطرف بالكلية عن هذا الاستهداف لأعظم رجل وأشرف رسولﷺ؟؟

أليس من التطرف أن يتهكم وزير في الحكومة على حديث ثابت عن النبي صلى الله الله عليه وسلم: “أَلا ‌لا ‌يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إِلا كانَ ثالثَهُمَا الشيطانُ”[رواه الترمذي].

أليس من التطرف أن يجاهر تيار دخيل على المجتمع المغربي بإسقاط ما تبقى من النصوص الشرعية القطعية كالمطالبة بالمساواة المطلقة بين الجنسين في الإرث مع أن هذا حكم قرآني ونبوي ومجمع عليه؟؟

أليس من التطرف أن يجاهر هذا التيار مطالبا بشرعنة الزنا والشذوذ ونشر الفساد باسم الحرية والعلاقات الرضائية؛ مع ما يشكله هذا المطلب من مخالفة للقطعي من نصوص الشريعة الإسلامية؛ قرآنا وسنة وإجماعا؟؟

أليس من التطرف مطالبة هذا التيار التغريبي بتحليل الحرام وتحريم الحلال والتضييق على المباح في تحكم كبير تتزعمه أقلية ماردة في عموم الشعب المغربي المسلم واختياراته وتوجهاته؟؟

أليس من التطرف استضافة الإعلام الرسمي للماجنين الفاسدين المفسدين لأخلاق أبنائنا كالمسمى “طوطو” الذي يشيع الخمر والمخدرات والكلمات الساقطة والحركات الفاحشة على منصات المهرجانات التي تمول من خزينة الدولة؟؟

أليس من التطرف استمرار علمانيي المغرب في خدمة وتطبيق الأجندة الغربية الاستعمارية والمطالبة بتنفيذها في الكليات والجزئيات بل فيما يخالف الهوية المغربية لغة وقِيما وسلوكا وأخلاقا وقانونا واقتصادا… بعد سبعين سنة من الاستقلال.

أليس من التطرف أن يُضَيَّقَ عن المحتجبات فضلا عن المنتقبات في المؤسسات الرسمية والخاصة؟ مع أن النقاب (الحايك) كان إلى عهد قريب لباسا رسميا لنساء المغرب ومنذ أكثر من عشرة قرون.

إن الحملات المتتالية والمستمرة التي يشنها المتطرفون العلمانيون على هذا البلد تستدعي وقفة حازمة؛ فمحاربة تطرف الغلو لا ينبغي أن يفسح المجال لتطرف التمييع ومحاربة الشريعة فإن تطرف الغلو في غالبه انحراف داخل الدائرة الإسلامية (=ابتداع وضلال) أما تطرف اللادينيين والعلمانيين فيخشى أن يخرج الناس من الإسلام بالكلية، وهذا عين ما نص عليه الملك الحسن الثاني حين قال: “طالما أنك مسلم، فلا يمكنك أن تكون علمانيًا” وقال: “عندما يقولون إنهم يريدون أن يكونوا علمانيين، أقول إنهم لم يعودوا مسلمين”.

إن التطرف العلماني هو المغذي الأول والمنتج الأساس للتطرف المقابل، فإن الشباب المسلم الذي تغلب عليه العاطفة والحماسة ويرى فسح المجال أمام الحرب على الإسلام في كل مناحي الحياة، لا يملك العقلاء أن يمنعوه مما لا يقره شرع ولا عقل من تجليات الغلو في الدين على أرض الواقع، وحينها سنكون قد جنينا على الشريعة إذ لم نحمها، وجنينا على الشعب المسلم إذ لم نحترم مقدساته، وجنينا على الشباب المتحمس إذ ألقينا به في أتون التفجير والتكفير عياذا بالله تعالى.

وليس لها من دون الله كاشفة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M