موازين.. شخصيات نافذة تقف وراء المهرجان المثير؟!

هوية بريس – إبراهيم الطالب
منذ أول نسخة له تعالت الأصوات بالشجب والاستنكار لمهرجان موازين، ليس لأنه مهرجان موسيقي يجمع المغنيين من فوق الأرض، بل لأنه آلية قوية مؤثرة في إعادة صياغة الأذواق والقناعات بل العقائد أيضا، فهو أكبر من مجرد مهرجان حيث يَجمع المشاهير بمختلف توجهاتهم وأفكارهم ليُقَرِّبهم من معجبيهم ومِمن يؤثرون فيهم؟
صحيح أن منهم من يغني للطرب فقط، ولكن منهم أيضا من يجعل من الكلمات والموسيقى رسالة يستقطب بها مريدين جدد ليعتنقوا نحلته، ومنهم من يفرض ذوقه المغرق في عبادة الجسد من خلال الرقص بالمؤخرة والثديين مع العري شبه التام، بل منهم من يدين بعباد الشياطين وينشر معتقدات الماسونية الباطنية، ليضاف هذا الكم من المنتجات الهابطة إلى آلاف المواد الفنية والثقافية ذات الحمولة المدمرة لأبناء المغاربة والتي تقصف بها القنوات الرسمية عقول الأطفال والشباب.
وما يهمنا في هذه العجالة هو محاولة الإجابة عن أسئلة نراها مهمة لفهم ما يجري، تهم فكرة المهرجان، من أين جاءت؟ وكيف ولدت؟ وما هي السياسة التي يخدمها والرسالة التي يؤديها؟
لنفهم هذه القوة التي اكتسبها، والتي تجعل منه عملا مقدسا عند أصحابه لا يمكن المساس به، فكيف بإلغائه؟
بالنسبة لفكرة المهرجان فقد كانت من امرأة مغربية، تدعى ياسمينة الفيلالي، وهي ابنة وزير الخارجية السابق وصهر الملك الحسن الثاني، من أم فرنسية إيطالية، تربت تربية لا علاقة لها بهوية المغرب ولا ثقافة أهله، إذ تصرح في التعريف بنفسها أنها لا تجيد اللغة التي يتكلمها المغاربة، في حين تجيد لغتيها الأم وهي الفرنسية والإيطالية بامتياز، وإذا لم يكن لها أية علاقة بالثقافة المغربية، فلا غرابة في أن تأتي بمثل هذه المصيبة، إذ تعتبر مثلها من المصائب إبداعا في ثقافتها الفرنكوفونية.
ولأن ياسمينة مقربة من الأوساط المغربية النافذة، فلا غرابة أن يَلقى مشروعها الثقافي الفني قبولا وتسهيلا لا يتوفر لغيره، لهذا نجدها فور إنشائها لجمعية “مغرب الثقافات” التي نظمت موازين سنة 2001 أعطيت لها صفة المنفعة العامة التي يُتَشَدَّد فيها مع كبريات الجمعيات رغم أقدميتها.
لم تكن جمعية “مغرب الثقافات” ولا موازين هما أول أعمالها الثقافية المستهدفة للثقافة المغربية الإسلامية المحافظة، بل على يديها خرجت القناة الثانية 2M للوجود، حيث شغلت منصب المدير العام فيها لمدة عامين متفرقين عامُ التأسيس 1989، وجيلنا يتذكر أول فيلم في بثها التجريبي الجريء يومها والذي حمل عنوان “الجوهرة الخضراء”، كما رجعت إلى نفس القناة سنة 1994، وللمنصب نفسه.
لقد كانت دوزيم ولا تزال قلعة الفرنكوفونية والتغريب، هذه القناة التي كان المفكر الواعي الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله ينعتها بالقناة الصهيونية، لإدراكه التام لرسالتها وأثرها المدمر للثقافة والهوية المغربيتين، وهذه الشهادة لها قيمتها، حيث صدرت من مفكر محب لبلاده ودينه، وقامةٍ تجاوزت الشهرة الوطنية، وسبق له أن كان مدير التلفزة المغربية يوما ما، لذا لا يمكن تجاهل حكمه.
ينضاف إلى أشغال ياسمينة إنشاؤها سنة 1994 لمؤسسة من أهم المؤسسات التي تشتغل على أخطر الملفات في المغرب، وهي مؤسسة الشرق والغرب F.O.O في المغرب وفرنسا. ولنسمعها تتحدث عن نفسها: “قبل تأسيس مؤسسة الشرق والغرب، شغلتُ منصب مدير الاتصالات في دروو بباريس، ورئيس مشروع اتحاد الجامعات المتوسطية في روما. أثَّر اهتمامي الشخصي بالفنون والرسم على اختياري لدراسة الدكتوراه في تاريخ الفن، والتي حصلت عليها من جامعة السوربون في باريس”.
ربما بهذا نتبين ملامح شخصية ياسمينة الفيلالي، وخلفيتها الفكرية والهوياتية التي تحكم نظرتها إلا الثقافة، كما يتبين الهدف الأساسي من هذا المهرجان “المقدس” من طرف سدنة ناره التي تحرق كل سنة شيئا من الثقافة المغربية الأصيلة.
وكلنا يعلم الأثر الفظيع لكل من دوزيم وموازين على الثقافة المغربية، فهما يعملان بشكل دائم ومنظم على تفتيت الهوية المغربية بما يسمى القوة الناعمة، التي تفوق في درجة التدمير النووي قوة السلاح النووي التي تحرص إسرائيل على الدوام ألا يكتسبه المسلمون.
وإذا كان الجميع اليوم يعرف دوزيم ووظيفتها التدميرية وموازين وقوته في تفتيت مقومات الشخصية المغربية، فإن القلة من الناس من يعرف مؤسسة الشرق والغرب.
فقد “أسست ياسمينة مؤسسة الشرق والغرب (FOO) عام 1994، بهدف رئيسي يتمثل في مساعدة الشباب المهمّشين في المجتمع المحلي، وخاصةً المهاجرين، الذين يفتقرون إلى البنية التحتية اللازمة للنجاح”.
وهي اليوم من أهم الفاعلين في ملف المهاجرين الأفارقة في المغرب وهو ملف يهدد النسيج المجتمعي المغربي ليس على مستوى الثقافة فقط بل على مستوى الأمن والدين والهوية والأسرة والصحة. فالهجرة الإفريقية اليوم تعيد تشكيل المغرب، فمن المؤكد أن الاختلاف بين دين المغاربة ولغتهم وثقافتهم وبين دين ولغة وثقافة هذه الموجات التسونامية من الأجناس الإفريقية التي تلتحق بالمغرب، سيكون له أثر كبير على المجتمع المغربي، خصوصا وأن السياسة المغربية الرسمية تنظر إلى جوانب الربح السياسي والاقتصادي مع إفريقيا وأوروبا، أكثر من عنايتها بالآثار السلبية، لهذا التغيير المتعمد للتركيبة السكانية.
وتعتبر مؤسسة الشرق والغرب من أكبر الفاعلين في هذا الملف الخطير، باستراتيجية تنظر إلى أن “التنوع والاختلاف” هو ثروة في حد ذاته، وهي استراتيجية يشتغل بها العقل الأوربي لتفكيك القوة المجتمعية، وتحويل النسيج الاجتماعي وبنياته كتلا بشرية، أهم دور لها هو الاستهلاك، حيث لا معنى في إطارها للخصوصية والدين، وهي المقاربة التي تشتغل بها أمريكا مع الإثنيات والأعراق التي تجمعها من العالم عبر القرعة الممنهجة، لتوفير اليد العاملة من جهة لشركاتها الكبرى، وأفواه لاستهلاك منتوجاتها.
ومن خلال توصيف مؤسسة الشرق والغرب لعملها نقتطف هذه الفقرة من الموقع الرسمي للمؤسسة:
“بالنظر إلى تزايد تدفق المهاجرين واللاجئين، وسّعت المؤسسة نطاق برامجها الإنسانية لتشمل المغاربة وغير المغاربة، وخاصة المهاجرين واللاجئين. ولهذا الغرض، افتتحت المؤسسة، بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، العديد من مراكز الاستقبال، وأصبحت اليوم، بفضل خبرتها الممتدة لخمسة وعشرين عامًا، خبيرة في مجال الهجرة”.
فبأي منهج وبأية رؤية تقوم ياسمينة في مؤسستها بتدبير هذا الملف؟
بطبيعة الحال لن تخرج عن منهجها في الدوزيم ومغرب الثقافات، وهذا بالفعل ما تصرح به في موقعها الرسمي الذي اقتطفنا لقرائنا منه أيضا هذه الفقرة:
“تعمل مؤسسة الشرق والغرب أيضًا على حماية التنوع، وتثمين جميع الثقافات. ومن خلال تنظيم المشاريع والأنشطة الثقافية، تهدف المؤسسة إلى تعزيز اللقاء والحوار بين الشعوب التي تعيش معًا على أرض واحدة”.
فظاهر الكلام جميل وليس فيه شيء يوحي بالخطورة، لكن ما يختفي بين الكلمات كبير خطره وعظيم تهديده لبلادنا ولنا جميعا، وحماية التنوع تقتضي أن يغيب النوع الأصلي، وهو المغربي الأصلي الأصيل، حيث يندثر بفعل المصاهرة واندماج العناصر الوافدة فيه، ليصير شيئا آخر لا علاقة له بالإنسان المغربي المسلم العربي أو الأمازيغي، كما أن تثمين الثقافات يقتضي أن تتساوى الثقافة المغربية الإسلامية مع الثقافة الإفريقية الوثنية أو النصرانية، لهذا سنرى الكنائس تنبت كالفطر في المغرب وكذا المعابد الوثنية، ولن يستطيع أحد أن يتكلم وإلا اتهم بالمساس بالمصالح الاستراتيجية للمغرب، وملف الصحراء، والعمق الاستراتيجي الإفريقي والاقتصادي للمغرب، والذي لا غنى لنا عنه في تدبير ملف وحدتنا الترابية، تماما كما يقول أصحاب شعار “كلنا إسرائيليون” في ملف التطبيع.
وإذا أردنا أن نوسع زاوية النظر لنفهم أكثر الدائرة التي تشتغل فيها مؤسسة الشرق والغرب وصاحبتها، علينا أن نعرف شركاءها ومن يدعمها.
بالبحث في جوانبها تبين أن هذه المؤسسة مرتبطة كذلك بالتصور العام الذي يشتغل على تنزيله في العالم الداهية كلاوس شواب Klaus Schwab، مؤسس المنتدى الاقتصادي “دافوس”، وما أدراك ما منتدى “دافوس”، حيث تلقت مؤسسة ياسمينة دعما مهما من المنتدى المذكور الذي من منهجية اشتغاله، -كما هو مبين في موقعه الإلكتروني الرسمي-، أنه يستقطب الشركات والمؤسسات المؤثرة والفاعلة، بحيث “تحدد المؤسسة مجموعة مختارة من رواد الأعمال الاجتماعيين، وتشركهم في صياغة الأجندات العالمية والإقليمية والصناعية التي تُحسّن وضع العالم، بالتعاون الوثيق مع أصحاب المصلحة الآخرين في المنتدى الاقتصادي العالمي”.
فإذا كانت ياسمينة من رواد الأعمال الاجتماعيين وهذا ظاهر من سيرتها الذاتية، فمن حقنا أن نتساءل:
يا ترى أي دور لمؤسسة ياسمين في هذه الأجندات العالمية؟
قد تكون ياسمينة ساذجة ومستغلة من طرف جهات دولية لا تعوزها القوة على إدارة القارات فكيف بالمؤسسات والأشخاص؟
لكن الذي يهمنا هنا هو تفكيك المشهد وإعادة تركيبه لنستبين العلاقات بين الفاعلين حتى تتضح التفاصيل، وقد قالوا: إن الشيطان يكمن في التفاصيل.
ومن التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان، والتي ينبغي البحث فيها هو: هل هناك علاقة بين مؤسسة الشرق والغرب ومؤسسات كلاوس شواب الأخرى؟ خصوصا “منتدى القادة العالميين الشباب (YGL) وهو بمثابة مجتمع متعدد الأطراف (تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عامًا) يضم قادة شبابًا استثنائيين يتشاركون التزامًا مشتركًا برسم ملامح مستقبل العالم. يختار المنتدى الاقتصادي العالمي سنويًا 100 شخصية استثنائية من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى مجتمع القادة العالميين الشباب لمدة خمس سنوات. واليوم، يُشكلون مجتمعًا دوليًا قويًا يضم أكثر من 1000 قائد شاب يُحدثون تأثيرًا كبيرًا في مستقبلنا العالمي”.
تفصيل شيطاني آخر وهو أن “منتدى القادة العالميين الشباب” تأسس بتبرع قدره مليون دولار أمريكي حصل عليه “كلاوس شواب” من جائزة دون ديفيد”.
فما هي جائزة دون ديفيد؟؟
“جائزة تمنحها مؤسسة دون ديفيد التي تأسست في عام 2000 بهبة قدرها 100 مليون دولار من رجل الأعمال الإسرائيلي المولود في رومانيا دون ديفيد، بهدف مكافأة وتشجيع الأبحاث المبتكرة ومتعددة التخصصات التي تتجاوز الحدود والنماذج التقليدية”.
فإذا جمعنا كل العناصر دوزيم وموازين ومؤسسة الشرق والغرب وجائزة دون ديفيد ومنتدى القادة العالميين الشباب، واشتغال الجميع على التأثير في المجتمع المغربي، تبين لنا أن تغيير ثقافة بلاد المغرب، وتغيير التركيبة المجتمعية والنسيج الاجتماعي المغربي هو من ضمن الملفات ذات التخصصات التي تتجاوز الحدود والنماذج التقليدية.
ويمكننا أن نستعين بمفهوم صاغه كلاوس من ضمن المفاهيم التي وضعها ويشتغل من أجل التمكين لها وهو مفهوم: “المواطن العالمي”، فحتى يصير المغربي مواطنا عالميا عليه أي نجرده من كل خصوصياته، فالعولمة لا تقبل الاحتفاظ بالخصوصية، بل تعمل على تحطيم جدرانها واجتثاثها من الواقع من أجل وقف تأثيرها فيه، ليصبح المغربي يدين بالولاء للسوق، بعد أن اعتنق “الديانة الليبرالية” وتخلى عن التمغرابيت التي ستقبل حينها، بالشواذ اللواطيين وبالحريات الفردية الزنائية، وبالتطبيع مع الكيان الغاصب، وتتعايش مع كل مكون إلا المكون العربي والإسلامي للشخصية الجمعية المغربية.
وهذا من أهداف مغرب الثقافات والدوزيم وموازين، ومؤسسات شواب التي تغدق على مؤسسة ياسمين لتستمر في الاشتغال على الثقافة المغربية، حتى يتم تركيع المغاربة للسوق الإمبريالية ومن بعدها للصهيونية العالمية، التي تشتغل اليوم على خريطة الشرق الأوسط الكبير.
وبالاستناد إلى ما سبق من معلومات يتبين أن بلادنا تتعرض لأكبر عملية مسخ في تاريخها تستهدف هويتها وثقافتها ودينها، وتقصف يوميا بقذائف القوة الناعمة، التي تقتل دون دماء ولا دخان، وإنما آثارها في معدلات الأطفال الذين يرمون في مطارح النفايات يوميا، وآلاف حالات الإجهاض سنويا، ومعدلات الدعارة والجريمة وغيرها من الطابوهات المسكوت عنها، والتي تصبح أرقاما يستعملها السياسيون في التدليل على وجاهة مشاريع قوانينهم التي تروم استباحة الكبائر مثل الإجهاض والزنا والردة وأمثالها.
فهل يمكن اعتبار موازين مجرد مهرجان موسيقي بعد الآن؟ وهل يمكن اعتبار اختيار نوعية المغنيين الذين يجلبون إليه، بريئا من التهمة؟
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.