ناصر الزفزافي: أسير الحراك ومرآة مطالب الريف

هوية بريس – عبد الحق الريكي
ما زال اسم ناصر الزفزافي، بعد أكثر من ست سنوات على اعتقاله، حاضرًا بقوة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، لا سيما لدى المتابعين للشأن الحقوقي والحركات الاجتماعية. هو ليس فقط أحد أبرز وجوه “حراك الريف” (مع أحمجيق، جلول وآخرين…) ، بل أصبح رمزًا لمطلب العدالة الاجتماعية والكرامة الذي رفعه أبناء الريف في مواجهة التهميش واللامساواة. فالسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا لا يزال ناصر الزفزافي رهن الاعتقال إلى اليوم، رغم مرور كل هذا الوقت، ورغم الدعوات المتكررة لإطلاق سراحه؟
بداية الحكاية: من الحسيمة انطلقت الشرارة
انطلقت شرارة “حراك الريف” أواخر سنة 2016، بعد حادث مأساوي تمثل في مقتل بائع السمك محسن فكري داخل شاحنة نفايات بمدينة الحسيمة، وهي الحادثة التي هزّت الرأي العام وأثارت موجة من الغضب الشعبي. شكل هذا الحدث القاسي نقطة تحول، ليخرج الآلاف إلى الشوارع مطالبين بالعدالة، قبل أن تتوسع المطالب لاحقًا وتشمل تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير فرص الشغل، وفك العزلة عن منطقة الريف التي طالما شعرت بالإقصاء من مشاريع التنمية الوطنية.
برز ناصر الزفزافي سريعًا كأحد أبرز قادة هذا الحراك، بخطابه الحماسي، وصوته الجهوري، وقدرته على حشد الجماهير. كان خطابه يرتكز على قضايا الكرامة والعدالة الاجتماعية، بعيدًا عن الخطابات الأيديولوجية أو المطالب الانفصالية، وهو ما أكسبه تعاطفًا واسعًا، ليس فقط في الريف، بل لدى شرائح مختلفة من المغاربة.
الاعتقال والمحاكمة
في مايو 2017، تم اعتقال الزفزافي بعد اقتحام منزله، إثر اتهامه بعرقلة حرية العبادة، في حادثة تتعلق بمداخلته داخل أحد المساجد، وهي التهمة التي وُصفت من قبل كثير من المراقبين بأنها ذريعة سياسية لوقف زخم الحراك. تلا ذلك حملة واسعة من الاعتقالات في صفوف النشطاء، حيث أُحيل عشرات منهم إلى المحاكم، وصدرت بحقهم أحكام قاسية، كان من أبرزها الحكم على الزفزافي بالسجن عشرين عامًا بتهم تتعلق “بالمساس بأمن الدولة”.
هذه الأحكام، التي وُصفت بأنها غير متناسبة مع طبيعة الحراك السلمي، لاقت انتقادات من منظمات حقوقية مغربية ودولية، مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، التي رأت فيها تضييقًا على حرية التعبير وحق التظاهر السلمي.
لماذا لم يُفرج عن ناصر الزفزافي؟
رغم مرور سنوات على تلك الأحكام، ورغم المطالب المتكررة من فعاليات سياسية ومدنية وحقوقية بإطلاق سراح معتقلي الحراك، ما يزال ناصر الزفزافي خلف القضبان. يعود ذلك إلى عدة أسباب متشابكة:
أولًا، هناك من يرى أن استمرار اعتقاله يحمل بُعدًا سياسيًا، مرتبطًا برغبة الدولة في إرسال رسالة واضحة مفادها أن التحدي العلني لسلطتها، خصوصًا إذا اتخذ شكلًا جماهيريًا ومنظمًا، لن يمر دون عواقب. فالزفزافي لم يكن مجرد ناشط عادي، بل تحوّل إلى زعيم جماهيري قادر على تحريك الشارع (ليس في الحسيمة والريف بل كل مدن المغرب)، وهو ما قد يُنظر إليه كتهديد من وجهة نظر الدولة.
ثانيًا، هناك من يربط الأمر بالسياق الأمني العام، حيث يُخشى أن الإفراج عنه قد يُفهم كتراجع للدولة أمام ضغط الشارع أو المنظمات الحقوقية، ما قد يشجع على تحركات مشابهة مستقبلاً في مناطق أخرى، خصوصًا في ظل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتواصلة.
ثالثًا، رغم وجود مبادرات للمصالحة وطي صفحة الماضي، فإن الدولة المغربية لم تُظهر حتى الآن مؤشرات جدية على الرغبة في الإفراج عن معتقلي الحراك، بمن فيهم الزفزافي، رغم أن العفو الملكي شمل سابقًا بعض المعتقلين الآخرين. يطرح هذا تساؤلات حول معايير العفو، ولماذا لا تشمل قيادات الحراك، خاصة أن خطاب الحراك لم يكن يدعو إلى العنف أو الانفصال.
بين الاعتقال الرمزي والحاجة إلى انفراج
من الواضح أن ناصر الزفزافي تحوّل إلى رمز يتجاوز شخصه. فاستمرار اعتقاله اليوم لم يعد مجرد إجراء قانوني، بل أصبح يعكس اختلالًا في العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويطرح إشكاليات عميقة حول حرية التعبير وحق المواطن في الاحتجاج والمطالبة بحقوقه دون أن يُوصم أو يُجرَّم.
في ظل المتغيرات الوطنية والإقليمية، ووسط حالة من الاحتقان الاجتماعي، تبدو الحاجة ماسّة اليوم إلى اتخاذ خطوات ملموسة نحو الانفراج، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وليس هناك أفضل من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين كمدخل لذلك. الإفراج عن الزفزافي ومن معه لن يُفهم كضعف، بل كقوة ناعمة تعبر عن نضج الدولة واستعدادها للتعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية بروح من الحوار والإنصات بدل المعالجة الأمنية وحدها.
خاتمة
ناصر الزفزافي هو اليوم أكثر من مجرد معتقل سياسي؛ إنه عنوان لمرحلة، ومرآة لمطالب ما زالت قائمة في الريف وفي مناطق أخرى من المغرب. والإجابة عن سؤال: “لماذا لم يُفرج عنه بعد؟” تقودنا إلى التفكير بعمق في كيفية إدارة الدولة للاحتجاج، وفي الحاجة إلى مصالحة حقيقية مع صوت المواطن، لا تقوم على الصمت أو العقاب، بل على الإنصات والاستجابة.