نداء على ثغر لا يراه إلا الله

08 يونيو 2025 18:56

هوية بريس – إبراهيم سهيل

أيها الصادقون في حب هذه الأمة…

أيها العاملون في الظل، المنكفئون على مواطن البعث، العارفون أن الطريق طويل، والرفيق قليل، والغاية عظيمة…

لقد مضى قرنٌ ونحن نُرمّم آثار السقوط، نتلمّس طريق العودة بين ركام الانقسامات، وتيه التغريب، وتسلط الباطل.

قرنٌ امتصّت فيه الأمة سموم الاستعمار، ثم تُركت للنزاع على ما تبقّى من أسمال السيادة.

وما كانت المأساة في هزيمةٍ سياسية، بل في انهيار المفاهيم، وتشظي الوعي، وغياب المشروع.

أصبح الدين عند البعض طقسًا، وعند آخرين يوتوبيا، وعند فريق ثالث عبئًا يجب “تحديثه”!

نحن في زمن طغت فيه الشاشات على المرجعيات…، والأئمة بالمؤثرين، والرسالة بالاستهلاك!

لم نُهزم حين سقطت الخلافة فقط، بل حين صمت العقل المسلم، واغترب قلبه عن القرآن، وغرق في أرقام التنمية بينما يتصدع البناء الداخلي.

لكن، رغم كل هذا الانحدار، فإن الطريق لم يُغلق، ولا تزال بذرة النهوض في الأصلاب، في المحاضن التربوية، في ضمائر الأحرار، في أركان البيوت الصامتة، حيث يُربى الأبناء على أن هذا الدين رسالةٌ لا شعار، وبناءٌ لا هتاف.

واليوم، آن لنا أن نقف وقفة فاصلة.

إن خلافاتنا الفكرية والتنظيمية والمذهبية – مهما عظُمت – لا تساوي شيئًا أمام الخطر الذي يجتاحنا جميعًا.

لقد بلغنا زمنًا لا يحترم فيه العالم إلا القوي، ولا يصغي إلا للمنتج، ولا يُبقي إلا على من يملك مشروعًا.

فبأي شيء نُبقي على وجودنا؟

بأحلام المجد الماضي؟

أم بلعن الحاضر؟

أم برفع الشعارات دون إعداد العدة؟

يا كل مَن يحمل همّ الإسلام في قلبه – مهما اختلفت مدرسته أو انتماؤه –

اعلم أن وقت الاصطفاف قد أزف، لا تحت راية حزب، ولا جماعة، بل تحت راية الأمة، راية “لا إله إلا الله”، راية العدل، والحرية، والشهادة على الناس.

إننا لا نحتاج مزيد تنظير، ولا صراع منابر.

نحتاج تحريرًا للفكرة، وتطهيرًا للنفوس، وتوحيدًا للصفوف.

نحتاج:

• عالِمًا لا يُحاصر نفسه في دائرة المذهب، بل يفقه سنن الله ويخاطب الواقع بميزان الشريعة.

• ومفكرًا لا يَجلد الأمة باسم العقل، بل يُضيء لها الطريق ويصون لها هويتها.

• ومربِّيًا لا يُغرق الجيل في الحفظ، بل يوقظ الإيمان، ويزرع الرجولة، ويصنع الثبات.

• ومنظِّمًا لا يرى الناس أرقامًا في هيكل، بل طاقاتٍ يَخدمها ويُحرّكها نحو البناء.

• وشاعرًا، وفنانًا، وإعلاميًّا… يُعيد للأمة لغتها، وذوقها، وصورتها في مرآة نفسها.

أيها النخب:

كُفُّوا عن التراشق، فوالله ما نُؤتَى من قلة عدد، بل من ضعف وعي وتنازع نية.

العدو لا يخاف من فرقتكم، بل يراها ضالته.

وكل تأخير في الاتحاد هو خدمة غير مقصودة لمن يريد لهذه الأمة أن تبقى ممزقة، مستضعفة، خادمة لمشاريعه.

يا أبناء التيارات والمدارس والرايات المختلفة:

قد تختلف سُبل الفهم، ولكن غايتنا واحدة:

أن نعيد للأمة رشدها، وكرامتها، ووحدتها، وريادتها.

والحق لا يقوم بالنيات وحدها، ولا بالصوت المرتفع، بل ببناء طويل النفس، عميق الجذور، متين اللبنات، واضح المعالم.

فليكن هذا زمنَ البناء.

• بناء الإنسان المربوط بالله، الواعي لزمانه، المتجرد عن أهوائه.

• بناء المشروع الذي يبدأ من الفكرة إلى الخلية، ومن الخلية إلى التنظيم، ومن التنظيم إلى النهضة.

ولن يكون ذلك حتى نؤمن جميعًا أن الأمة لا تقوم على الأفراد المتناثرين، بل على الصف الواحد، والقلب الواحد، والرؤية الجامعة.

فيا من تقرأ…

إياك أن تنتظر إجماعًا لن يأتي، أو تصريحًا لن يُمنح.

العمل يبدأ بك، من ثغرك، في منطقتك، مع من حولك، بما تستطيع.

أخلص، وأتقن، واصبر، وقل:

“اللهم اجعلني على ثغر لا يراه إلا أنت، وارضَ عني إذا خفيتُ عن كل الخلق”.

ختامًا:

هذه أمتك…

إن لم تحملها في قلبك، وتحمل قلبك إلى ثغرها، فلا تلم الزمان.

وإن لم تجتمع القلوب الصادقة على الحد الأدنى من الحق، فلن تقوم لها قائمة مهما كثرت الأرقام والبيانات والمراكز.

والله لا ينصر بالكثرة، بل بالصف المصطفّ.

وقد آن أوان الاصطفاف.

إن كنت عاجزًا عن الفعل، فلا تكن عاجزًا عن التأثير.

كلمة، منشور، صرخة، دعاء، تذكير، مقطع، توعية، موقف.

كل شيء له أثر.

كل شيء يُكتب.

وكل صمت.. سيسألنا الله عنه.

“اللهم اجعلني على ثغر لا يراه إلا أنت…”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
19°
24°
أحد
25°
الإثنين
22°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M