نعم لتعديل القانون الجنائي.. ولكن..

10 ديسمبر 2019 19:16

 هوية بريس – نبيل غزال

اتسم النقاش الأخير حول تعديل بعض فصول القانون الجنائي بالحدّية، وبلغ في بعض الأوقات تطرفًا أثار الرأي العام، وبعد أن هدأت الأوضاع، وفتر الحديث قليلا حول هذا الموضوع، يتعين علينا الهدوء واستعمال لغة العقل بدل الانسياق وراء العواطف الجياشة والجري وراء السراب وتقليد الآخر.

فالقانون الجنائي المعمول به حاليا يحتاج فعلا إلى تعديل، وقد كان هذا مطلب كثير من السياسيين والوطنيين وعلماء المغرب، لكن يبقى السؤال الجوهري هو عن نوع هذا التعديل، هل هو تعديل يراعي هوية ودستور البلد؟ أم هو تعديل ينبني على مرجعيات دخيلة، ويعمل على تطبيع نموذج قيمي وسلوكي وافد؟

المغرب ومنذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا كان يحكم بالشريعة الإسلامية، وكان الأحكام الجنائية المعمول بها مستمدة من نصوصها، وقد ظل الأمر على هذا الحال إلى دخول الاحتلال الفرنسي، الذي أقصى العمل بالشريعة، واستبدلها بالقوانين الوضعية المعمول بكثير منها حتى الآن، وزاحم المحاكم الشرعية بالمحاكم القنصلية.

وكما قال الشيخ المكي الناصري رحمه الله في بحثه القيم (مراكش بين الحماية والحكم المباشر): فـ”الواقع أن تاريخ الاستعمار الفرنسي علمنا دائما بأن أهم غرض من أغراضه هو إدماج الأمة الواقعة تحت سلطته، وإقامة القانون الفرنسي فيها على أنقاض قوانينها الأولى، ولذلك لم تكد فرنسا تطأ أقدامها أرض المغرب حتى شرعت في تأسيس المحاكم الفرنسية، وصرح مقيمها العام ليوطي (بأن تأسيس عدلية منظمة كاملة، هو على رأس الالتزامات الجوهرية التي يتضمنها انتداب أوروبا لفرنسا في المغرب).

وعقب الاستقلال طالب سياسيون وطنيون وعلماء بإلغاء العمل بالقوانين الوضعية التي فرضها المحتل، وهذا ما تم التوافق حوله، حيث أصدر الملك محمد الخامس -رحمه الله- “أمره بتأسيس لجنة لتدوين الفقه الإسلامي استعدادا لجعله القانون الرسمي للدولة في جميع المحاكم التي أخذت تسير في طريق التوحيد”. (دفاع عن الشريعة).

فـ”لم يكن يخطر ببال أحد من المناضلين الأولين، أن القانون الذي وضعه الفرنسيون لمقاصد استعمارية، سيصبح المتحكم في كل النشاط الإسلامي في المغرب”، كما قال الزعيم علال الفاسي رحمه الله.

لكن ما كان يخشاه العلماء والوطنيون هو ما وقع بالفعل، وحاق بالمغاربة المكر الفرنسي، الذي كان يخطط لإرساء “دولة مغربية مشابهة للدول الأوربية موحدة متمركزة، محكمة حكما نظاميا، طبقا لقوانين محدودة” كما يقول السوسيولوجي الكولونيالي روبير منتاني. (كتاب “البربر والمخزن” ص:414 للشيخ المكي الناصري رحمه الله).

خلاصة القول، إن النخبة المغربية كما كانت تسعى للتخلص من الاحتلال العسكري الفرنسي، كانت تسعى أيضا للتخلص من ترسانته التشريعية والقانونية والقضائية، لكنها لم تنجح في ذلك، وهذا لم يدفعها إلى العجز واليأس، حيث ظلت ترفع هذا المطلب للملك عبر مختلف القنوات التي يمكنها أن توصل هذا الخطاب.

ومن لم يطلع على تاريخ المغرب، ويتابع هذه المحطات البارزة، يخيل إليه أن رفع هذا المطلب أمر محدث، ومعاكسة للتطور الطبيعي للمجتمع، وربما يدعي أيضا أنه توظيف سياسوي للجماعات الإسلامية.

وهذا ما يدعيه المنتمون للتيار العلماني، ممن يناصب العداء للمرجعية الإسلامية، ويعمل على سلخ المجتمع من دينه وقيمه وهويته.

فبالنظر إلى معطيات كثيرة، تاريخية وقيمية وغيرها، لا يمكن بحال القبول بالمطالب التي يرفعها الجنسانيون، والتي تصدر عن مرجعية إلحادية تلغي الإله، وتتبنى نظرة مادية للكون والحياة والإنسان، فالمغرب بلد مسلم، يؤمن مواطنوه بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وما أحله الله ورسوله فهو بالنسبة لهم حلال طيب، وما حرماه فهو خبيث يتعين الابتعاد عنه.

وحتى إن تلطخ بعض المغاربة بالذنوب والمعاصي والآثام، ومسهم طائف من الشيطان، فالظاهر أنهم لا يقبلون باستحلال ما حرم الله تعالى، من أجل هذا فالخيانة الزوجية والزنا واللواط والسحاق والإفطار العلني في رمضان مرفوضة بالنسبة لهم من منطلق ديني محض.

نعم؛ العقوبات المتعلقة بها والمقررة في القانون الجنائي ليست شرعية، وجل المواطنين يأملون أن تصير كذلك، لكن لن يقبلوا بحال أن ترفع، لأنها تقلل الشرّ، وتضيق الخناق على المفسدين في الأرض، ممن يعتقدون بأن الإنسان محور الكون، لا سلطة دينية أو قانونية، تكبح جماح شهواته، وتحول دون تحقيق رغباته.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. بارك الله فيك.. تنبيه: لا تقل ما (حرماه) ولكن قل ما حرم الله ورسوله.. فقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عن مثل هذا اللفظ لما قاله أحد الصحابة.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M