هل الملحد إنسان مادي؟

08 مايو 2025 20:23

هوية بريس – د.عبد الحميد بنعلي

يكثر الناس من هذه المقولة عن الالحاد والملاحدة، فيرون أنهم لا يؤمنون الا بالمادة أي بشيء محسوس تدركه إحدى الحواس الخمسة.

وهذا في الحقيقة غلط يقيني، فالانسان الملحد يكفر بالمادة وليس بالغيب فقط، كيف ذلك؟!

الجواب: أن الله تعالى نصب على نفسه دلائل مادية لا حصر لها في الوجود، كما قال القائل: وفي كل شيء له آية ،،، تدل على أنه الواحد.

وطبقا لتلك الايات كلف الناس بالايمان به ربا معبودا لا شريك له، وإذا قرأتم القران تجدوا أن الله تعالى حين يناظر الملاحدة يستدل عليهم باياته لا بذاته كقوله {أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} الايات وكقوله {أم خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون أم خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون}.

وأعظم الايات المادية الدالة على وجود الله هم الانبياء انفسهم، وتكذيبهم كفر بالمادة نفسها لا بالغيب وحده، وقد قام الدليل العقلي على استحالة كذب الانبياء لاتفاقهم في قضايا التوحيد مع تباعد ازمانهم وبلادهم وعدم وجود اتصال بينهم.

والدليل -عقلا ومنطقا- يدل على المدلول، ونزع مدلوله عنه كفر بالمادة عينها، وهذا امر فطري في الانسان، ولذلك قال الاعرابي لما سئل كيف عرفت ربك ولم تره؟، قال: البعرة تدل على البعير والاثر يدل على المسير، فسماء ذات ابراج وبحار ذات امواج ألا تدل على السميع البصير.

وفي عالمنا المشاهد يؤمن الناس -بما فيهم الملاحدة انفسهم- بعشرات الغيبيات غير الله سبحانه من دون أن يروها وإنما بواسطة دلائلها، مثل ايمانهم بحدوث الامطار في التاريخ المعين، وحدوث هيجان البحر عند الساعة المحددة، وعلمهم بوقوع الزلازل طبقا لقواعد معلومة، وعلمهم بحصول النتاج الزراعي قبل ان يحصل لحصول علاماته، وعلمهم بأن شخصا من بني آدم موجود عند باب البيت استدلالا بطرقه للباب وإن لم يروه الخ ما لا يحصى من هذا القبيل.

وكفر الانسان الملحد بالصانع هو من جنس كفر الانسان بأن تكون هذه البنايات الشاهقة والاثار العمرانية حدثت فجأة دون محدث، وهذا جنون وخبل.

فإن قال لك ملحد: نحن نقصد الله نفسه، فلسنا نؤمن به إلا اذا رأيناه، قيل له: ايمانك بما تراه لا يسمى ايمانا في اللغة ولا الشرع، فلا يقال انا اومن بالبحار والانهار والجبال وأومن بأبي وأمي، وانما يستعمل الايمان فيما هو غيبي محض، ولهذا حين تقوم القيامة يؤمن كل الناس ولكن ايمانهم هذا لا يكون مقبولا ولا معتبرا هذا اولا.

وثانيا: فالحكمة الوجودية تقتضي تقسيم الناس الى مؤمن وكافر ولهذا حجب عنهم الغيب واكتفي بنصب الايات عليه.

وثالثا: فالله تعالى لا تدركه الابصار في الدنيا ولا تطيق المخلوقات على عظمتها رؤيته {فلما تجلى ربه للجبل حعله دكا وخر موسى صعقا} وكيف يمكن لمخلوق ضعيف حقير رؤية الله تعالى والكون كله بمجراته بالنسبة لعرش الله كحلقة ملقاة في فلاة !! فكيف بالنسبة الى الله نفسه {وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}.

والخلاصة: أنه ليس صحيحا أن المؤمنين يؤمنون بغيب مطلق بل يؤمنون بايات الغيب التي دلتهم وأرشدتهم الى الايمان بالغيب نفسه، وليس صحيحا ايضا أن الملاحدة يكفرون بغيب مطلق، بل كفرهم بالغيب مسبوق بكفرهم بدلائل الغيب وآياته.

وهذا المسلك هو الذي سلكه علماء المسلمين في الاستدلال على وجود الله والالزام بالايمان به، قال ابن عاشر رحمه الله:
وجوده له دليل قاطع
حاجة كل محدَث للصانع
لو حدثت بنفسها الأكوان
لاجتمع التساوي والرجحان
وذا محال وحدوث العالم
من حدث الأعراض مع تلازم
لو لم يكن حيا مريدا عالما
وقادرا لما رأيت عالَما

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
9°
19°
الثلاثاء
19°
الأربعاء
19°
الخميس
20°
الجمعة

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M