هل نريد حقا محاربة الغش؟

19 يونيو 2022 20:36

ابراهيم أقنسوس – هوية بريس

يعتبر موضوع الغش، من الإنشغالات التي يتجدد الحديث فيها وحولها، مع حلول موعد الإمتحانات، مع الإحتفاظ بنفس الأسئلة، التي تقابلها نفس الأجوبة والإنطباعات والردود.

الجهات المعنية سياسيا، بإجراء الإمتحانات، تصدر جملة من التنبيهات والمذكرات، وتتوعد الغشاشين بالعقوبات، التي تنص عليها القوانين، والتلاميذ والطلبة الغشاشون، يبدعون ألوانا جديدة، بغرض تحصيل الأجوبة الصحيحة، تدليسا وغشا.

ويبدو أننا وإلى حدود اليوم، لا زلنا نفتقر إلى مقاربة تربوية، عالمة ومسؤولة، لمواجهة هذه الآفة العضال، ونكتفي في أحسن الأحوال، ببعض التوجيهات التربوية والزجرية، التي يقوم بها بعض الأساتذة أحيانا، يضاف إليها بعض التدابير القانونية، التي نجريها على بعض التلاميذ والطلبة أحيانا أخرى، ما يعني أننا أمام معضلة حقيقية، نواجهها بتردد واضح، وبمقاربات ونقاشات، يغلب عليها التضارب، وتفتقد إلى الإنسجام العلمي، والنجاعة التربوية، ويبدو أن هذا الإرتباك النظري والواقعي، مرده أساسا، إلى عدم إجابتنا عن سؤال كبير ومبدئي، يثوي خلف كل هذا الذي يحدث، السؤال هو، هل نريد حقا محاربة الغش؟

إنه نفس السؤال الذي يرهن كل عملية إصلاح، سؤال الإرادة والمعنى، وعن هذا السؤال العريض، تتفرع كل الأسئلة الأخرى، المعنية بمعالجة حقيقية لهذه الظاهرة، ويكفي أن نلاحظ، أن جل المواطنات والمواطنين، ينخرطون بشكل أو بآخر، في الحديث عن هذه الآفة، من منظورات مختلفة طبعا، لكن الملاحظ أيضا، أن الجميع يريد أن يتملص من حظه من المسؤولية، ويفضل أن يقدم دروسا للآخرين، فالآخرون هم الجحيم دائما، لا فرق في ذلك بين عامة المواطنات والمواطنين، الذين يشيرون بأصابع الإتهام إلى المسؤولين سياسيا عن التدبير العام، أو هؤلاء المسؤولون، الذين يبادرون سريعا، إلى إبعاد المسؤولية عنهم، وإلقائها على المواطنات والمواطنين، الذين يختارون طريق الغش، ولا يبدون الرغبة في المساعدة على معالجة هذه الآفة، كما يقولون طبعا.

ما يعني أن الجميع يعترف بوجود هذه الآفة، والجميع أيضا، لا يبدي الوعي الكافي، والجدية اللازمة لمواجهتها؛ والنتيجة المنطقية، أن الغش تحول مع الأيام، إلى أعراف وطقوس، وسلوكات مبررة، نرفضها نظريا وعاطفيا، ونقبل بها واقعيا وإجرائيا، وهكذا هو منطق الأشياء دائما؛ الإرتباك النظري والتدبيري، يؤدي إلى الإرتباك الإجرائي والواقعي.

المؤكد اليوم، وبلا مقدمات كثيرة، أن الغش تحول إلى ظاهرة بنيوية، تهم جل القطاعات الحيوية في بلادنا، وهو ما يتم التعبير عنه عادة بالفساد، ومعالجتها الحقيقية والمسؤولة والمواطنة، تقتضي خطة واضحة وإرادة حرة، يتم بمقتضاهما مواجهة كل أشكال وألوان الغش في بلادنا، بشكل شمولي، أشبه ما يكون بثورة مواطنة، مستمرة ودائمة، تريد حقا نهضة هذا الوطن، فما أصعب الحديث عن الغش وعن الفساد بمنطق تجزيئي، وإرادة عاجزة.

ولنا أن نطرح سؤالا بسيطا، في علاقة بالغش في الإمتحانات هو، لماذا يغش التلاميذ، وبشكل يبدو عنيفا أحيانا، من الذي أقنعهم بضرورة الغش، واعتباره حقا ومطلبا؟؟ بل وأسلوب حياة أحيانا.

ليس التلميذ إلا جزء من كل، ولا بد من مواجهة هذا الكل، وفق مقاربة علمية وعملية، إذا أردنا حقا محاربة الغش (الفساد)، فحين يغش التلميذ، يعني أن الأستاذ والإدارة والأسرة، والمسؤول والوزير والمستشار الجماعي والنائب البرلمان، والحرفي والصانع والبائع، كل هؤلاء يغشون، بدرجات متفاوتة، ومسؤوليات متفاوتة؛ هل هذا يصلح مبررا للغش ؟، بالطبع لا، ولكنه أيضا ليس طريقا للقضاء على هذا الداء العضال، ولنا أن نتأمل أخيرا، النقاش الدائر اليوم، حول ما يسمى بالموظفين الأشباح عندنا، فهل نريد حقا محاربة الغش؟؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M