هناد الحويني يكتب عن والده رحمه الله

25 مارس 2025 18:14

هوية بريس – هناد الحويني 

سَخَّرَ والدي حياته بأكملها في خدمة الدعوة إلى الله، مُجسِّدًا معاني الإخلاص، لم يكن يقف عند حدود القول، بل كان يسعى لتطبيق كُلّ صغيرةٍ وكبيرة فِي حياة النّبي صَلى اللهُ عليه وسَلّم مع زوجاته وأهله وأصحابِه.

فَكَان يذهب رضِيَ اللهُ عنه إلى المستشفى لإجراء الغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعيًا، وكنا نشعر بالمعاناة، ففي كُلّ مرّةٍ يُجبَرُ على تحمل الألم عند وضع الممرّض الابرة في يدِه، وأنظُر اليه بعد هذا، فأجدُ على وجهِه علامات الصبر والرضا.

ولا ننسَى تعبه الشّديد أثناء الجلسة بساعاتها الطّويلة، ورغم ذلك لم يتوانَ عن أداء جميع الصلوات في المسجد بعد انتهائه من الجلسة، مُحافظًا على سننها الرواتب، فلا يمنعه عن ذلك لا حرارة الصيف ولا برودة الشتاء. ورغم صعوبة حالته، كان يشهد له الجميع مسلمون وغير مسلمون في المستشفى بأدبه وأخلاقه.

وقالت مُمرّضة غير مُسلمة لأُمّي يومًا: هذا الرّجل لم أر مثله من قبل، أراه دائماً مُبتسماً، ولم أره يومًا يرفع صوته، أو يشتم الممرضين كباقي المرضى، وهذا طبيعي جدًّا عندنا لأن مرضى الغسيل يُعانون من تقلّب المزاج، ويمرُّون في أغلبِ الأوقَات بآلام لا تُحتمل.

ورغمَ كُلّ هذا كَان يُكرس جهده للعلم والعبادة، مصرفًا نظرهُ عن أُمور الدُّنيا، يُريد مَا عند الله، متفانيًا في نشر العلم الشرعي وتربية الأجيال على تعاليم دينه، فكان قدوةً حقيقيةً في كُل شيء.

أمّا أَبِي في بيتِهِ، فكان نموذجًا للجِدّ والمُثابرَة في العمل، فكانت حياته ما بين المستشفى إلى المكتب إلى المسجد، لدرجة أنّني كنت دائمًا أقول لنفسي: (هذا يستحيل على الإنسان فِعلُهُ، أن يعود من بعد جلسة الغسيل في وقت العصرِ، فيواصل العمل إلى صلاة الفجر، وهذا فقط في (أيام غسيل الكلى) أما في أيامه الأُخرى فكَان يُواصِلُ من الساعةِ التاسعة صباحا إلى أذان الفجر، وعوضًا عن هذا كلّه، كيف لهُ أن لا يشعُر بالملَلِ من هذه الجلسة الطّويلة!).

فسألته يومًا وبصراحة وكان قد أتمّ 16 ساعة متواصلة: حضرتك مش بتزهق يا أبي؟ طيب متحبّش تريّح شوية ونكمّل شغل بعدها؟ فقال لي: (يا بُنيّ، سننامُ نومةً طويلة، والّذي يعرف شرف ما يطلب، هان عليه ما يبذُل).

وكُلّما أردتُ أن أعرض عليه الذّهاب إلى أي مكانٍ وكان ظنّي أنّي بهذا أُدخل عليه السرور، كان ردّه قائلًا: هؤلاء أصحابي، كيف أتركهم؟

وَفي وقت فراغِهِ كان لا يبحثُ عن أنسه إلّا في العُلوم، فكان يتنَقّل من علوم الفقه إلى علوم التّفسير وغيرها من العُلوم.

رحمك اللهُ يا أبي وغفر لك، وأسألُه سبحانهُ أن يجمعك مع نبيّه الّذي تأسّيت به في كُل أمورك صلّي اللهُ عليه وسلّم.

أعاننا الله على فراقك.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
17°
18°
الإثنين
18°
الثلاثاء
22°
الأربعاء
22°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M