«أحات» و«أهات» الدرقاويين في قلب سوس العالمة!!
د. محمد وراضي
هوية بريس – الإثنين 21 دجنبر 2015
قد لا نترك القراء حيارى بخصوص ما نعنيه بـ”أحات” التي هي جمع “أح”؟ وما نعنيه بـ”أهات” التي هي جمع “أه” كذكرين مفردين مبهمين حادثين في الملة! ما تعبد بهما قط نبي الهدى والرحمة! ولا توسل بهما إلى الحق سبحانه، لا الصحابة، ولا التابعون، ولا كبار الأئمة والعلماء!
فنبينا صلى الله عليه وسلم في غاية الاستجابة لنداء ربه، وفي غاية الفطانة كصفة من صفاته الأربع الواجبة، يعبد ربه بكلام فصيح ذي مدلول واضح.
والكلام الفصيح المتعبد بتلاوته لا يمثله مجرد لفظ، أو كلمة غامضة، وإنما تمثله جملة مفيدة. ومن شك في ما نريد إيصاله إلى الأذهان، فليسأل أحدا من أبنائه، أو أحدا من حفدته، عما إذا كان تكرار اسم من الأسماء يفيد السامع، فسوف يخبره بأنه لا يفيد شيئا ما دام معناه لم يكتمل بعد. وحتى يكتمل، لا بد من إدخاله في جملة اسمية، أو في جملة فعلية، أو في شبه جملة.
وأغرب الغرائب أن نجد طلاب العلم، وأشباه العلماء، قد فرغوا منذ زمن قريب أو بعيد، من تحصيل متن “الأجرومية” في النحو. إضافة إلى شرحها الذي تلقوه على يد شيوخهم في المدارس العتيقة المنتشرة في منطقة سوس “العالمة” على نطاق واسع.
فالكلام عند ابن آجروم، “هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وأقسامه ثلاثة: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى”. أما أن نعتبر مجرد لفظة كلاما، فهذا تجن منا على قاعدة من قواعد اللغة العربية الفصيحة! فلو نادينا صديقا لنا بصوت مرتفع، واسمه سعيد، لهرع إلينا أو هرول إلينا، ليستفسرنا عما نريده منه. وعندما نخبره، يكون الكلام -من منظور قواعد النحو- قد أخذ صورته باكتمال معناه. هذا إن نحن بقينا في حدود ألفاظ مفهومة، حتى وإن لم تكن متداولة في اللهجات السائدة مثل “الدردبيس” (= الداهية أو العجوز الفانية) ومثل “العلطبيس” (= النهم السريع البلع). أما ونحن قد خرجنا عن حدود الألفاظ العربية المفهومة المعنى، واعتمدنا على ألفاظ مجهولة الهوية عند العرب كي نتعبد بها، إلى حد أنها لا توجد حتى في قواميسهم، لا في الماضي ولا في الحاضر، فإننا لم نكن هكذا غير من يخبطون “خبط عشواء” أو غير من يحطبون في ليال مدلهمة حالكة السواد!!!
وقد تولى محمد بن عبد الله الموقت المراكشي في الجزء الأول من مؤلفه القيم “الرحلة المراكشية” تسليط مزيد من الأضواء الكاشفة على نظائر “أح” و”أه” فقال: “وأعظم من ذلك أن كل طريقة من هذه الطرق، تتساهل في اتباع السنة، وترى اختراع العبادات طريقا للتعبد صحيحا.
من ذلك عمل هذه الطائفة الدرقاوية حلقة الذكر، وهي المسماة عندهم بالعمارة (أو الحضرة)، وهي عبارة عن ذكر اسم الجلالة (= الله) باللسان والصدر على حسب المراتب الشعرية، وتشبيك الأيدي حتى تكون كسلسة، ثم يرسمون لأنفسهم من يقوم وسطها، يسيرون بسيره قوة وضعفا، ويرقصون ويتمايلون جميعا يمينا وشمالا، ومنهم من يحرف أسماء الله تعالى، فلا تسمع من لسانه في هذه العمارة التي حق لها أن تسمى الخسارة إلا: “اللوه اللوه” هكذا، أو “هو هو” و”هيلا هيلا”! أو “حوا حوا”، أو “أخ أخ أخ”!!! أسماء لا نجدها إلا عند الشياطين، ومنهم من يزعق، ومنهم من يصير يبكي إذا قوي شيطانه! ومنهم من يقفز قفزا شديدا كأنه يريد الطيران.
فبالله ويا للمسلمين! ماذا يجني المبتدع على نفسه مما لا يكون في حسابه؟ وما هذه والله طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم (في التعبد)، ولا طريقة السلف الصالح؟
فيا ليت شعري، كم قدم هؤلاء على مثل هذا العمل الذي يظنون أنهم به يتقربون إلى الله، ويدعون أنهم على جادة العرفان، ولهم القدم الكبير في متابعة سيد ولد عدنان، ولكنهم على قدم الشيطان”!!!
ثم أضاف ابن الموقت رحمة الله عليه: “فكل من تعبد بشيء لم يكن عليه صلى الله عليه وسلم، ولا عليه السلف الصالح ليس بشيء، وإنما هو غاية في الجهالة، وتلف في تيه الضلالة. (والبودشيشيون مثل الدرقاويين في إقامة العمارة بنفس الأسلوب سواء بسواء)!
وقد قال إمامنا مالك رضي الله عنه: “من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خان الرسالة”!
والمشاهد لما قدمته إحدى القنوات التلفزية المغربية في أواخر شهر غشت من هذه السنة: 2015م بمناسبة موسم المدعو سيدي سعيد المعدري، سوف يصاب لا شك باندهاش لا حد له، خاصة من له معرفة ولو بسيطة بكتاب الله وسنة مجتباه. ومع ذلك يزعم من أجرى معهم مقدم البرنامج بعض الحوارات، أن ما يفعلونه لم يخرجوا فيه عن سنة سيدي المرسلين. والحال أن “العمارة” أو مسمى “الحضرة” كذلك بدعة ما عرفها الرسول! ولا مارسها! ولا دعا إلى ممارستها! ولا أقر عليها من يمارسونها إن هو فعلا وجدهم كذلك!
فقد تحدث عبد العزيز الدباغ، الأمي الذائع الصيت في كتابه “الإبريز” المليء بالأوهام والخرافات والضلالات، عن “الحضرة” بمنطق ديني وعقلاني بالغين -وهذا من مقالاته الصائبة- وتساءل عما إذا كانت من فعل الرسول؟ أو من فعل الخلفاء الأربعة؟ أو من فعل كافة الصحابة؟ أو من فعل التابعين؟ فخلص إلى أنها لم تكن من فعل أي من هؤلاء! مما يعني عنده أنها محدثة. وما هو محدث، يستبعد أن يكون من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن من الدباغ غير التصريح بهذا الاستنتاج الدقيق: بما أن “الحضرة” ليست من فعل المذكورين قبله، فهي إذن “لا خير فيها”. وهذه عبارته. وما لا خير فيه انطلاقا من كتاب الله وسنة نبيه، هو ما يشتغل به الطرقيون، بناء منهم على مشايخ جاهلين بالدين. ضاربين بسنة المختار عرض الحائط.
فالمحتفى به الذي حضر الإعلام الرسمي لتغطية ما يقوم به أتباعه في موسمه، لم يكن سوى أمي مغمور في بلدة “المعدر” غير بعيد عن مدينة تزنيت. ولما قابل بمراكش تابعا من أتباع العربي الدرقاوي، مؤسس الطريقة المعروفة باسمه، وأخذ عنه طريقته، عاد إلى سوس “العالمة” لنشر ما تلقاه -وهو خال الوفاض من العلم- فكان أن تقاطر عليه المعجبون الذين اعتبروه كشيخ عارف له باع طويل في الكشف والمشاهدة الصوفيين، وترقية المريدين! خاصة وأن عقلية المغاربة في القرن الثالث عشر الهجري عقلية متشبعة بالتصورات الوهمية التي أبعدتهم لظلاميتها عن العقلانية المنطقية! مما يفسر انضمام من يعدون من العلماء وطلاب العلم إلى الدهماء المتعلقة بأذياله. وكان من جملتهم والد المختار السوسي علي الدرقاوي، الذي قطع حينها أشواطا في تحصيل العلم الكسبي، قبل أن يغلب عليه ميله إلى تحصيل العلم الوهبي! هذا العلم الذي أبت همته غير إبرازه كشيخه من خلال مسمى كشوفاته وكراماته، التي يدخل من كثرتها وتنوعها إحياء الموتى! لكنه قبل أن يصل إلى المرتبة العليا في التمكن من ذوائب العلم اللدني، مارس على نفسه عقابا جسديا ونفسيا معروفا لدى الصوفية ب”خرق العوائد” أملا في أن تسهل عليه ممارسته للترقي في المقامات الصوفية، المتولدة عن تذوق الأحوال، واحدة تلو أخرى.
لقد كان يجلس فوق المزابل (إمداز)، ويلبس المرقعات، ويتكفف الناس في الدواوير والطرق والأسواق! وهو يحمل على كتفيه قفة مثقوبة في أسفلها، حيث يضع فيها ما يقدمه له من يتصدقون عليه! والأطفال خلفه يلتقطون النقود التي تسقط من أسفل قفته. ويهيم على وجهه من مدشر إلى مدشر، ومن قرية إلى أخرى! ويغتم لشأنه والده الذي أراده عالما لا طرقيا منبهرا بتعاليم شيخ أمي لا يعتد به في العلم! فكيف بالصلاح المرتبط بالتفقه في الدين، لا بجهله؟ “إنما يخشى الله من عبادة العلماء”؟؟؟ ويحكي ولده محمد المختار السوسي في مؤلفه “الترياق المداوي في أخبار علي الدرقاوي السوسي” أن جدته خرجت من بيتها بحثا عن ولدها الهائم على وجهه، وزوجها (جد المختار السوسي) طريح الفراش. فكان أن وصلها خبر وفاته، فاجتمع عليها همان: هم العودة إلى المنزل للقيام بلوازم دفن زوجها! وهم متابعة البحث عن فلذة كبدها الذي أغواه أمي، واضح بأنه من جملة الراغبين عن سنة رسول الله! والحال أنه ورد في حديث من أحاديثه قوله صلى الله عليه وسلم: “من رغب عن سنتي فليس مني”! (أي لا يربط بيني وبينه أي رابط، فأنا بريء منه)! بحيث إننا نجد الراغب عن سنته، والمروج لبدع لا علاقة لرسول الله بها، هو الذي حضر الإعلام الرسمي لتسجيل ما يدور حول الاحتفاء به! والحال أن رئيس الحكومة في الوقت الراهن، قادم من أفق لا يخفي أصحابه غيرتهم على الدين، الذي لا بد قد شابته وتشوبه انحرافات وتشويهات، تدخل في باب الإفساد والفساد والمفسدين. وهو ثالوث تعهدت حكومة مسمى الإسلاميين بملاحقته والتضييق عليه لغاية محو كل أثر من آثاره! لكن الفساد الديني عبر التراب الوطني لم ينله أي تغيير يذكر! بل إنه ازداد سوء وتفاقما! في عهد هذه الحكومة “الإسلامية” المفترضة! كامتداد لما هو عليه في عهد حكومات سابقة، نجهل حتى كيف نصفها، لأنها بمنطوق التصنيف السائد اليوم، ليست إسلامية على أية حال، ولكن ما هي إذن بمنطوق نفس التصنيف وبمفهومه!!!