أختي الكريمة … بنيتي الغالية …
هوية بريس – إسماعيل المرغادي
أختي الكريمة … بنيتي الغالية … السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فهذه رسالة إليك من أخ مشفق عليك، فيها شيء من الصراحة والملام. نصيحةً لك، لا كخداع وأكاذيب رسائل الغرام. وما ترينه فيها من لوم وعتاب فلا أقصد به التعميم على كل النساء، فإن فيهن النيرات اللاتي يهتدي بهن الرجال العقلاء.
أختي الكريمة … بنيتي الغالية … من أنت؟! هل تعرفين حقيقتك؟! هل جلست يوما تسألين نفسك هذا السؤال المهم: من أنا؟ ماذا أفعل هنا، في هذه الدنيا؟ ما دوري في هذه الحياة؟
أم أنك نسيت نفسك، واتبعت شهواتك، فطغى عليك وكان همَّك وشُغْلَك مراعاةُ جسدِك وجمالِك ومظهرِك، وكلامِ الناس فيك ونظرتِهم إليك، وأخبارُ جاراتك وزميلاتك، وطريقةُ كلامِك، ورَأيُ الضيوفِ في طبخِك، وضحكتُك ولباسُك، والمسلسلاتُ والممثلُ الفلانيُّ والممثلة الفلانية، وخلافاتُك مع البعيدات أو القريبات… وغير ذلِكِ.
إن كان هذا هو ما يشغلك فاعلمي أنك أختي في غفلة عظيمة ينبغي أن تستيقظي منها، وأن تسألي نفسك وترددي تلك السؤالات.
أيتها الأخت المسلمة، من أنتِ؟! ما دوركِ في هذه الحياة الدنيا؟ ما مصيرُكِ بعد الموت؟
هذه أسئلة مهمة عظيمة ينبغي أن تتأملي فيها تأملا. وقد أخبركِ بجوابها خالقُكِ الذي خلقك من تراب، وجعلك لحما وعظما، وجعل لك سمعا وبصرا وفؤادا وعقلا.
أختي وبنيتي … أنتِ مخلوقٌ من خلقِ الله. والمخلوق حقيقته الضعف، قال ربي: (وخلق الإنسان ضعيفا)؛ فلا تنسي أنك أمَةٌ لله تعالى وأنك ضعيفة فقيرة إلى الله تعالى لا تستَغْنِينَ عنه طرفة عين. وأنك مهما كنت ترين نفسك في منزلة عالية بما أوتيتِ من الجمال أو المتاع أو الأثاث واللباس أو الحُلِي والمال أو اهتمامِ الناس بك وتقديرِهم لك أو المنصبِ والوظيفةِ، أو النسب أو الجاه والحسب، أو غير ذلك مما يرفع قدرك ويدفع عنك النقص؛ فأنت مثلي، ضعيفة مليئة بالنقصِ والعيوبِ. ويظهر ذلك في أمور كثيرة؛ فأنت تجوعين وتحتاجين إلى الطعام والشراب، وتتعبين فتحتاجين إلى النوم، وتمرضين، وتحزنين وتبكين… وغير ذلك من العيوب التي لا يخلو منها إنسان.
فهذه هي حقيقة هذا الإنسان التي غفل عنها.
والمرأة في هذا العصر أكثرُ غفلة، بل إن من النساء من لا ترى لها عيبا وتظن في نفسها أنها الكاملة التي لا عيب فيها ولا نقص. نسأل الله العافية.
أختي الكريمة … بنيتي الغالية … مع هذه العيوب والنقائص التي لا يخلو منها مخلوق، فقد مَنَّ الله عليك بنعم عظيمة، فأعطاك جمالا وصورك في أحسن صورة، وأعطاك فطرة وعقلا تميزين بهما بين ما يصلح وما لا يصلح، ومَيَّزَك بأن جعل في قلبك حناناً ورحمة ورقة ولطافة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير نساءٍ ركبْن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده”.*
أختي، هذا شيء من الجواب عن سؤال: من أنت؟
خلاصته أنك مخلوق ضعيف مربوب لله تعالى لا تملكين لنفسك ضرا ولا نفعا، وما ترينه فيك من الكمالات الجسدية والنفسية فهو نعمةٌ من الله عليك، ليس بكسبك.
فإذا عرفت من أنت؟ فلتتساءلي لماذا خلقني الله؟ ما دوري في هذه الحياة؟
أنت، كما تقدم أمة لله، خلقك الله في هذه الدنيا ليبْتليك. وبعد عمر لا تَدْرينَ متى نهايته، وربما تكون قريبة؛ بل إنها قريبة وإن كانت في أعيننا بعيدة؛ فما أسرع ما تمر السنوات! بعده سترجعين إليه ليسألك ماذا فعلت في هذا الابتلاء؟
هل أطعت الله تعالى وجاهدت نفسك وقاومت شهواتك؟ أم اتبعت هواك وأسَرَتْك شهواتُك وتحكمت فيك، وصارت حركاتك وسكناتك تَبَعا لها، لا وِفْقا لما أمركِ به خالقك. أسأل الله تعالى أن يرحمني ويسترني وإياك.
أختي الكريمة … بنيتي الغالية … أنت أمة لله وحده، هو وحده الذي خلقك ورزقك وهو وحده الذي يدبر أمرك. إذا علمت هذا فاعلمي أن أهم وظيفة لك في هذه الدنيا أن تكون عبوديَّتُك له سبحانه وحده، فتكون عبادتك له وحده وتطيعين أمره وتجتنبين نهيه، وتوحِّدينه في خوفك ورجائك ومحبتك، وتخلصين له وحده في صلاتك وذكرك وتلاوتك وصدقتك وحجابك وحفظك القرآن وطلبك للعلم، فيكون رضاه هو مرادك من عبادتك، لا أن تنالي إعجاب جيرانك أو صديقاتك أو الناس. قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له). واعلمي أن هذا هو الطريق الوحيد الذي فيه سعادتك وما سوى ذلك فإنما هو شقاء وضنك. والله تعالى أرحم بنا من أنفسنا وأمهاتنا.
أختي الكريمة … بنيتي الغالية… هل حافظت على الصلاة في وقتها، وأديتها على الوجه الذي أمرك الله به. إنها عمود الدين فإذا سقطت سقط الدين. وبقدر إصلاحك لصلاتك ظاهرا وباطنا تصلح سائر أحوالك وأمورك. إن الصلاة وحدها كفيلة بحل مشاكل العالم اليوم لو أقيمت على الوجه المرضي. لكن أين المقيمون للصلاة؟!
أختي الكريمة بنيتي الغالية ابتلاك الله تعالى في جسدك، فجعل فيه إثارة لإعجاب الرجل وشهوته، وأعطاك من الرقة واللطافة ما أعطاك، لحكم عظيمة مبهرة، ومصالح جليلة، وأمرك فيما يتعلق بذلك بأوامر ونهاك بنواه، ورتب على طاعتك الأجر العظيم في الجنة، وعلى المعصية العذاب الأليم في النار.
فمن حِكَم جمالك أن يكون فيه إثارة لرجل واحد هو زوجك ليحصل تكاثر الإنسان وبقاؤه على الأرض، ولولا تلك الشهوة لفني الإنسان منذ أزمان. ومنها حصول المحبة والسكينة من زوجك لك، وحصولها منك لزوجك. فإذا قمت بما أمرك الله في هذا وحصنت نفسك زكت نفسك وارتفعت درجتك وطهر قلبك.
فهذا هو الغرض وهذه هي الحكمة.
لكن غفلت كثير من نسائنا عن ذلك، فصرن يعرضن جمالهن ولحمهن لكل من هب ودب حبا للظهور وإثارة للاهتمام، فأثَرْنَ الفتن وأملن القلوب وأذهلن قلوب الرجال وألبابهم وهن يحسبن أنهن يُحْسِن صنعا. فلا تسل عن الفساد الذي أصاب الأرض، من كثرة الزنا واختلاط الأنساب وكثرة اللقطاء والجرائم والأمراض النفسية وسفك الدماء والآفات، بسبب إضاعة المرأة لحدود الله في جسدها وتهتكها، وسوء فهمها للحكمة مما جعل الله فيها من الجمال والميولات، فصارت تعرض جسدها ورقتها في الشوارع وأماكن العمل والمحطات والحدائق والأسواق، حتى صارت نساء المسلمين يتنافسن في هذه الأماكن وغيرها في إظهار أجسادهن. بل في إظهار أبلغ ما يجب ستره، ويستحيي العاقل من ظهوره أشد الحياء. والله المستعان.
ومن العجيب أنهن أضعن إظهار ذلك في البيت فتلبس الفضفاض الواسع الثخين المسدل في البيت حتى لا يكاد يظهر منها شيء لزوجها، فإذا خرجت تفننت في اللباس والطيب والتزين، تجلس الوقت الطويل أمام المرآة حتى تتهيأ من أعلاها إلى أسفلها؛ حتى إذا صارت كالعروس التي تزف إلى عريسها، وأكملت تزينها، خرجت على تلك الهيئة إلى الشارع وتركت الزوج المسكين في البيت. ما أعظمها من غفلة وجهل وفهم معوج سقيم.
أما الرقة واللطافة والحنان فمن حكمتها أن تكوني رحيمة بأولادك، فتُنشئين أجيالا صالحة تقوم بما خلقها الله لأجله من العبودية له سبحانه. ولولا تلك الرحمة لهلك كثير من الأطفال ولما تكاثر البشر.
لكن كثيرا من النساء أبين إلا إعمال هذه الرقة لاستمالة القلوب المريضة، وإثارة الشهوات، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار: “نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات”.**
أيتها المرأة المسلمة إن صناعة الرجال الصالحين المصلحين من أعظم المهمات وأشرف الوظائف، وهي مهمتك ووظيفتك ولن يقوم بها غيرك. وما هذا الهوان الذي صرنا إليه اليوم إلا بسبب تخليك عن هذه المهمة وغيابك عن مكانك في هذه الوظيفة. ومن أسباب ذلك ما قام به أعداء الأمة من إيهامك بأنها وظيفة لا قيمة لها، حتى صارت كثير من النساء تخجل أن توصف بأنها ربة بيت.
أيتها الأخت لا تظني أن الله أعطاك هذه النعم لغواية الرجال والظهور والتنافس مع غيرك من النساء، واحذري النار وسوء الحال.
وتذكري أنك عن قريب ستصيرين، إن طال عمرك، عجوزا منحنية العظام مجعدة الجلد، قبيحة المنظر، ولن يزينك حينئذ إلا أخلاقك وتقواك وزوجك الذي حفظت وده وقضيت عمرك في الإحسان إليه، وأبناؤك الذين بذلت زهرة حياتك في تنشئتهم تنشئة صالحة. وحينئذ لن تشعري، إن أنت قمت بواجبك المذكور، بما تشعر به تلك النساء المفرطات من وحشة وهموم. بل ستشعرين بالفخر وسيحيط بك أناس يهتمون بك ويعبرون لك عن محبتهم وعن امتنانهم لك بما بذلت معهم. وفوق ذلك كله سينالك من عناية الله تعالى وحفظه والسكينة والرضا الذي سينزله في قلبك، فوق ما تتخيلين لأنك سخرت شبابك في مرضاته وتعففت عن الشهوات المحرمة وخالفت هواك والشيطان وصبرت على الحجاب والستر. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ومن حفظ حدود الله في صغره، حفظه الله في صغره وكبره.
فسخري، رحمكِ الله، ما آتاك الله في إرضائه، بأن تكرمي زوجك، وتعطفي على أولادك.
أختي الكريمة … بنيتي الغالية… أرجو أني قد وفقت للإخلاص ووافقت الصواب في نصيحتك.
هذا والله أعلم
وفقكِ الله تعالى وحفظكِ من كل مكيدةٍ وسوء.
والسلام عليكِ ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أخرجه البخاري (5082).
**أخرجه مسلم (2128).