أخنوش.. عنوان منعطف الخراب! لماذا؟
هوية بريس – د.أحمد ويحمان
والآن، وقد وضعت”حرب” “الانتخابات” أوزارها .. وتم إعلان نتائجها وأنهى من تم تكليفه بتشكيل الحكومة مهمته، وجاء بها وب”برنامجها” ل” البرلمان “، ونوقش “البرنامج ” وصودق عليه بعد التصويت ب ” الأغلبية” .. الآن وقد شرعت “الحكومة” في أعمالها وبدأت الصحافة تنقل أخبار اجتماعاتها في إطار المجالس الوزارية والمجالس الحكومية .. الآن وقد تم ” تداول السلطة ” بشكل سلمي ب “صندوق الاقتراع”، وبمراقبة ” جيش” من المراقبين الدوليين والوطنيين .. الآن وقد تم كل ما يلزم، شكلا، لنكون بإزاء دولة عصرية وديمقراطية،
تعالوا نمتحن صحة ما رأيناه في مسرح الحياة السياسية، خلال الأسابيع الأخيرة، ونرى هل يصمد الشكل أمام الموضوع وحقيقة ما انبنى عليه “صرح” كل هذه المؤسسات من غش يفضي إلى الانطباع العام عند المغاربة الذي يكثفه، أبلغ ما يكون التعبير، المثل المغربي الذي يقول :
” من الخيمة خرج اعوج ” أو ” من الخيمة خرج مايل ” !
الباتريمونيالية هي المخزن
” من الخيمة خرج اعوج ” ليست قصرا على حكومة أخنوش وحدها، في الحقيقة، وإنما يهم كل الحكومات السابقة أيضاً.. فليس هناك، في تاريخ المغرب الراهن ( منذ ” الاستقلال” )، أية حكومة بلغت منتهاها، وفق برنامجها، وقدمت حصيلة عملها للتقييم على أساس ما التزمت به وما أنجزته، وما لم تتمكن من إنجازه، بناء على ما تعاقدت عليه مع المواطنين – الناخبين لأنه، طيلة ممارستها لتدبير الشأن العام، لا يمكن ألا تخضع لتدخلات، كل مرة تفرض عليها اختيارات عكس وضد إرادتها وتوجهها الذي رسمتها لإنجاز برنامج”ها ” .
لا نريد هنا أن ندخل في طبيعة البنيات السائدة ومحل إعرابها في علم الاجتماع السياسي، نحيل القاريء الكريم إلى الأطروحة التي دافعنا عنها قبل سنوات بجامعة محمد الخامس في شأن الجذور التاريخية والثقافية للفساد في المغرب . . أطروحة دكتوراه الدولة في هذ الموضوع موجودة بخزانة بكلية أݣدال للآداب والعلوم الإنسانية وهي مبنية على فرضية الدولة النيوباتريمونيالية أو ما يسميه المرحوم هشام شرابي ب ” الأبوية المستحدثة ” الذي قال عنها المرحوم محمد جسوس بأنها تطابق عندنا ” المخزن ” .
ليس الغوص في هذا التحليل الأكاديمي هو هدفنا هنا . كما أن قصدنا ليس ما هو مرتبط بالجانب التقني وكيف يتم تمرير تزوير إرادة الشعب وصناعة الخرائط خلال سنوات الرصاص مع مهندس التدليس، وزير الداخلية إدريس البصري، فقد خصصنا لذلك دراسة ميدانية ضمناها في كتيب ” العزوف السياسي بالمغرب ” أصدرناه سنة 2007 .
قصدنا هنا، بما يسمح به الحيز المتاح؛ مقال، هو لفت الانتباه من خلال عينة لبضع أسئلة يفيدنا طرحها للخلوص إلى أننا بصدد ردة وعودة إلى عهد إدريس البصري وأننا بصدد انقلاب حتى على ذلك الهامش الذي كان يعطي عن المغرب في ” العهد الجديد “، بعض الانطباع على أنه مختلف وأن فيه بعض من مجال ل ” التنفس” أكثر قياسا للمركزية الشديدة السائدة بمحيطه .
لقد كانت الفرضيتين في دراسة ظاهرة العزوف السياسي بالمغرب هما : لا جدوى الانتخابات و لا مصداقيتها .. وقد تأكدت الفرضيتين من خلال خلاصات الدراسة . أما فرضية الدولة النيوباتريمونيالية فقد تأكدت محوريتها في دورة إنتاج وإعادة إنتاج الفساد بالاستبداد وهذا بذاك؛ السلطة المفيدة للريع و الريع أو ” الجاه المفيد للسلطة ” لو متحنا من المتن الخلدوني .
أما خطاطة هذا النوع من السلطة فهي باختصار شديد : الطابع العصري للدولة شكلا وحقيقة تقليديتها جوهرا .. فهذه الخطاطة هي التي نريد أن نعرضها هنا في بضع أسئلة بشكل ومضات سريعة .
1 سؤال أخنوش وحزبه
يطرح أخنوش الذي يرأس الحكومة اليوم سؤال المصداقية والمشروعية، أو على الأصح سؤال اللامصداقية واللامشروعية .
أ – أخنوش و “حزب” “ه” .. و ملازمة كن فيكون !
“كن فيكون” هي خاصية إلاهية موقوفة، حصرا، للمطلق في أمر الله الخالق . وأي تطلع لإدراكها هو شكل من أشكال الشرك به وهي كبيرة الكبائر في ديننا الحنيف الذي يقول بأن الله : ” … لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء …” وهذا الشرك في السياسة ببلادنا هي، في الحقيقة، المعضلة الأساس في الحياة السياسية بالمغرب !؛ معضلة صناعة أو اصطناع الأحزاب والزعامات .. هذه المعضلة الملازمة للمشهد السياسي بالمغرب وعيبها الدائم الذي يجعل منها حياة سياسية اصطناعية préfabriquée !
عزيز أخنوش هو “رجل أعمال”، وأي رجل أعمال !، تقنوقراط، ليس له اتصال بعالم السياسة قبل أن تتم المناداة عليه من هناك للالتحاق بالحياة الحزبية وإعلان تعيينه مباشرة على رأس “حزب” قيل له، هو الآخر ذات يوم من الأيام سنة 1977، كن ! فكان . وفي خضم كينونته وخلقه، نودي على صهر الملك الراحل الحسن الثاني؛ احمد عصمان وقيل له كن رئيسه فكان .. ثم قيل له ترأس الحكومة فترأسها !
لم يك أخنوش مسؤولا بالمكتب السياسي للحزب ولا عضوا بجهازه التنفيذي ولا بجهازه التقريري ولا رئيسا أو مسؤولا بقطاع من قطاعاته ولا مسؤولا بتنظيم من تنظيماته الإقليمية او المحلية حتى .. لم ينتخبه المؤتمر، لا ولا كان مؤتمرا أصلا بأي مؤتمر عندما نودي عليه ليترأس ” الحزب” ، لا ولا كان يوما مناضلا من مناضليه القاعديين في اي فرع ولا في أية خلية من خلاياه !
أخنوش لم يك يربطه ب” حزب” التجمع الوطني للأحرار قبل دعوته لرئاسته أية رابطة !!
هذا هو “الحزب” الذي حظي ب” الأغلبية ” في الانتخابات الأخيرة .. وهذا هو “رئيس” ” الحزب” الذي رشحته مقتضيات الدستور لأن يعينه الملك رئيسا للحكومة فعينه .. وها هو اليوم يمارس صلاحياته كرئيس لحكومة المغرب ويقرر باسم المغاربة على أنه صاحب المشروعية ! .. وهاهي وسائل الإعلام تنقل ماجريات مجالس حكومته والمحللون يحللون القرارات والبرنامج الحكومي .. وكأن الأمور كلها طبيعية مع أننا، بالواقع، في خضم خطاطة شكلية المؤسسات العصرية المنافية لجوهرها كما بينا وسنزيد في التبيين بعد أن نترككم مع هذا السؤال :
هل يوجد في تاريخ أي بلد .. وهل توجد في العالم أية كلية أو معهد في العلوم السياسية صادف تجربة لرجل جيء به وتم تعيينه رئيساً لحزب تم تأسيسه هو الآخر بأمر وليس بناء على تشكيل تنظيم سياسي يعبر عن امتداد اجتماعي للدفاع عن مصالح فئوية وفق منهج فكري واختيار سياسي ؟
في بيان وتبيين “الانتخابات” من خلال طرح بعض اسئلتها
إذا كان ما قلناه بشأن أخنوش وكيف جاء على رأس المسؤولية الحكومية ليقرر باسم المغاربة كاف لطرح مسألة المشروعية والمصداقية، فإن ماجرى خلال الانتخابات الأخيرة “يكمل البهية ” كما يقول المغاربة.
لن نتوقف عند كل المعطيات و المظاهر التي تطرح مشروعية ومصداقية الانتخابات، وبالتالي “المؤسسات” المنبثقة عنها من برلمان وحكومة وغرف ومجالس جهوية وبلديات وجماعات قروية … الخ..فذاك ما يتطلب مجلدات ومجلدات، لذا نقتصر على بعض الأمثلة والأسئلة التي تنطبق عليها قاعدة ” كفاني فيك يكفوني”.
أ – سؤال المحاضر
كتب وقيل الكثير عن المحاضر خلال الانتخابات الأخيرة، وهو ما أوجزه رئيس الحكومة العثماني لدى الإعلان عن نتائج الانتخابات بقوله بأن معظم المحاضر لم يتم تسليمها لممثلي الأحزاب، وخاصة لممثلي حزب العدالة والتنمية .
جئنا بقول وشهادة لرئيس الحكومة لنستغني عما يقوله عموم الناس . فإذا كان رئيس الحكومة يقول هذا الكلام، فلأن لديه مايثبت ما يقول، ولا يمكن أن يجازف في موضوع جدي كهذا ويقول كلاما مرسلا على عواهنه .
وإذا كان قول رئيس الحكومة هذا صحيحا، فإنه يهدم كل البناء في هذه الانتخابات والمؤسسات المنبثقة عنها، ذلك أن المعنى الوحيد لعدم تسليم معظم المحاضر هو أن السلطات التي رفضت، تطبيق القانون، و تسليم المحاضر لها ما تخفيه وما تخاف عليه أن يكتشف بشأن التصرف في النتائج .
ويبقى هنا السؤال :
هل يتعلق الأمر بتزوير إرادة المواطنين – الناخبين كما جاء في بيان أحزاب فيدرالية اليسار ؟!
سؤال لا نجيب عليه وإنما نحيله على المغاربة وعلى التاريخ . وننتقل للسؤال الثاني .
ب – سؤال الأرقام
مع أن سؤال الأرقام يتطلب الغوص في ثناياها و كذا النسب المقدمة المرتبطة بها،إلا أننا، ما دمنا في امتحان المصداقية، نقتصر هنا على رقم المشاركة .
أفادت السلطات بأن نسبة المشاركين في الانتخابات الأخيرة بلغ، عند إقفال الصناديق وانتهاء عملية التصويت نسبة 50,18٪ .. وكانت قد أخبرت ساعتين قبل ذلك بأن نسبة المشاركة بلغت حوالي36 ٪ ..
وبحسب المتتبعين والمدققين، فإن هذا معناه أن عدد المصوتين الذين بادروا للإدلاء بأصوتهم في هاتين الساعتين الأخيرتين يعطي، بالعملية الحسابية، أن هؤولاء المصوتين خلال تلك المدة( ساعتين) هو بمعدل أزيد من ألفي 2000 مصوت كل 5 دقائق ..
لا نتحدث عن أرقام نتائج حزب العدالة والتنمية في مجلس المستشارين والمقاعد التي رفضوها على انها هدية مسمومة وتنازلوا عنها .. لأنها مزورة وهو ما يذكر بسوابق مماثلة أيام إدريس البصري مع مقعدي محمد حفيظ ومحمد اديب رحمه الله .. .
فهل يمكن، عمليا، أن يصوت، في كل مكاتب التصويت، وبدون توقف، أزيد من ألفي 2000 مصوت كل 5دقائق ؟
إذا لا، وهذا هو الجواب المنطقي، فكيف سيطمئن المغاربة للأرقام والنسب وكل ما تم تقديمه لتركيب ما يسمى ب ” المؤسسات” التي انبرت لتسيير الشأن العام في البلاد وكأن شيئا لم يقع !!!
وفي الختام، لنذهب لمغرب ما وراء الجبال ولنتمثل هذا المسخ و نتأمله من خلال هذا النموذج .
ج – مثال من المغرب العميق
تابع المواطنون والمواطنات
كثيرا من ملفات وأحداث ومظاهر الفساد والإفساد للعملية الانتخابية، قبيل يوم الاقتراع، منذ إقرار القاسم الانتخابي !! وأسواق البيع والشراء ثم خلال وبعيد الإعلان عن النتائج وتشكيل المكاتب .. توقف المغاربة، مشدوهين أمام ما جرى بمكناس عندما فضح أحد قادة الأحرار سومة وسعر تحمل المسؤولية في دفتر تحملات الحزب فيما يتعلق بتوزيع التزكيات .. وقس على ذلك قصص المدن الأخرى وقضيتا مأساة المرحوم بلفقيه وعبد الرحيم بوعيدة بݣلميم ..
لكن المغرب العميق، قليلا ما يتم الانتباه إليه وإلى ما يمور فيه من مشاكل ومظالم وإهانات .. ولذلك أتيناكم بقصة بلدية أفركلة العليا على بعد 100 كلم جنوب مدينة الرشيدية .
بهذه البلدية التابعة لتنجداد أجريت الانتخابات والمنافسة على مقاعد 28 مستشارا جماعيا . أسفرت الانتخابات، بعد التحالفات، عن تكتلين، الأول من 15 مستشارا والثاني من13 مستشار . وبعد عقد جلسة انتخاب رئيس ومكتب البلدية تبين أن الرئاسة والمكتب ستؤول لرئيس ومكتب غير مرغوب فيهم، مع أن الرئيس من “حزب” الأحرار، تم رفع الجلسة لأن الرئيس المرغوب فيه هناك، وفق ما هو مرسوم، هو الرئيس السابق .. والدائم !
وفي الجلسة الثانية سيتم المناداة من قبل قائد المقاطعة على الرئيس السابق رئيسا معتمدا ب13 صوتا مقابل 15 صوتا ضده لم يمكن المستشارون المعنيون من اوراق التصويت ولم يسمح لهم بالتصويت أصلا، رغم إلحاحهم على ممارسة حقهم في الإدلاء بأرائهم !
وعندما خرجت مظاهرات سلمية للمواطنين للاحتجاج على هذا المشهد العجيب فوجيء المواطنون بملفات واستدعاءات للمستشارين الجماعيين المنتخبين وبعض مسانديهم للحضور لدى مصالح الدرك الملكي بأرفود حيث تم اعتقال البعض ومتابعة المستشارين في حالة سراح بعد مطالبتهم بشرط وضع الكفالات المالية فوق طاقاتهم، وهم كلهم من الفآت الهشة .
وستكتمل الصورة السوريالية بحيث لم تجد السلطة، للخروج من ورطتها، غير الاستعانة ب” قيادة” “حزب” الأحرار واللجوء إلى موضة هذه الانتخابات ” سحب التزكية ” ! لقد أشهر القائد في وجه تكتل ال 15 مستشار ورقة سحب التزكية موقعة من طرف المنسق الإقليمي لحزب الأحرار بالرشيدية !!!
فهل قيادة الأحزاب تناصر مناضليها المنتخبين ام تتآمر عليهم ؟!
وهنا نعود للسؤال الجوهري الذي طرحناه .. هل نحن بإزاء أحزاب سياسية فعلية وبإزاء قيادات حزبية كما تحددها العلوم السياسية في كل بقاع الأرض ؟!
ألا إنه الاستثناء المغربي حقيقة !
الاستثناء المغربي الذي يجعلنا لا نشبه احدا في هذه الكرة الأرضية ..
آخر الكلام
إنه منعطف الخراب في تاريخنا الراهن .. وآياته في نقط جدول الحكومة من أول مجلسها وما جاوره مما يسمى : الاتفاقيات مع كيان العدو الصهيوني الذي يقتل الأطفال المغاربة ويدنس مقدسات المغاربة ويقتحم مسرى رسول المغاربة ويسعى لهدمه لإقامة الهيكل المزعوم مقامه!!
مشروع اتفاقيتين بشأن الجو والثقافة والرياضة و اتفاقية لتفويت الحق الحصري للدراسة والتنقيب عن النفط والغاز على ساحل الداخلة لشركة صهيونية .. واتفاقية تهم الفوسفاط؛ أهم ثرروة بالبلاد !! و.. و … و
إنه منعطف بمؤسسات ورجالات تسهل وضع اليد على أهم ثروات البلاد من قبل أعداء المغرب والمغاربة المتآمرين عليه وعلى مقدراته وعلى معتقده .. و لله الأمر من قبل ومن بعد .. وله عاقبة الأمور في التحرش بديننا وبعقول نشئنا و العبث بمقرراتهم الدراسية التي تسخر من الرسول الكريم وتعتبر الصلاة ضجيجا وتلوثا !
فاللهم أنت حسبنا وأنت نعم الوكيل !