أدلة جديدة وبراهين عقلية على صدق النبوة

أدلة جديدة وبراهين عقلية على صدق النبوة
هوية بريس – د. أحمد الشقيري الديني
أركان الإيمان تقوم على إثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو المخبر عنها؛ وهي من الغيب الذي لا يدرك بالحواس ولا يحيط به العقل، وعليه فإذا اثبتنا صدق النبي صلى الله عليه وسلم فقد وضعنا خطونا في الطريق الصحيح لولوج عالم الغيب إيمانا به وتصديقا..
لقد ألفت عدة كتب في دلائل النبوة عبر التاريخ، وانخرط علماء المسلمين قديما وحديثا في رد شبهات المكذبين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب أو من الملاحدة، ومع الاستعمال اليومي لوسائط التواصل الاجتماعي انتشرت شبهات منكري النبوة بين الشباب الذي لم يتسلح فكريا ولا وجدانيا بما يكفي لدفع تلك الشبهات.
يأتي هذا المقال لمساهمة متواضعة في اثبات النبوة بأدلة عقلية لا يمكن دفعها إلا من مكابر يلغي عقله أو لا يصدق بالمتواتر من الأخبار.
ولاشك أن أعظم دليل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم هذا القرآن الذي بين أيدينا، لكن التحدي ببلاغته كان قائما زمن التنزيل لفصاحة العرب وعلو شأن اللغة والشعر بينهم، وهذا التحدي وإن كان لازال قائما وبيننا أدباء وشعراء ملاحدة ونصارى عربا إلا أن عموم الناس والشباب منهم خاصة لا يدركون قوة هذا الدليل، فنحن نقدم لهم أدلة وبراهين عقلية تحتاج فقط لشيء من التأمل والتدبر ليذعن لها العقل السليم، فعض عليها بالنواجذ فلعلك لا تعتر على أغلبها في غير هذا الموضع.
1) حادث الهجرة النبوية:
لا يستطيع عاقل أن ينكر وقوع هذا الحادث لأن نقله وصلنا بالتواتر المفيد لليقين ، فأين يكمن دليل النبوة فيه؟!
لابد هنا من استحضار عقول المهاجرين الذين تركوا أموالهم وتجارتهم وأهليهم وديارهم وعشيرتهم، وكانوا أشد الناس ارتباطا بالقبيلة، تركوا ذلك كله وراء ظهورهم لينتقلوا فارين بدينهم إلى أرض الغربة حيث البيئة مختلفة لا علم لهم بها..
وإنما قلنا “عقول المهاجرين” لأن هذا السلوك لا يصدر إلا عن مؤمن عميق الإيمان برسالته أو عن ساذج أحمق لا عقل له، فإذا علمنا أن هؤلاء المهاجرين حكموا مشارق الأرض ومغاربها في ظرف وجيز بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تأكدنا من سلامة عقولهم وأن فيهم عباقرة بلغوا من كمال العقل أوجه، فلم يبق من تفسير لهجرتهم أهلهم وأموالهم وعشيرتهم إلا أنهم كانوا موقنون من صدق هذا الذي أشار عليهم بالهجرة الجماعية وترك أوطانهم، وهذا الموقف الذي لم يتكرر مثيله في تاريخ أمة من الأمم إلا ما كان من الهجرات التي فرضتها تغيرات مناخية وتحولات بيئية أو حروب استئصالية، أقول هذا الموقف دليل قطعي على أن المهاجرين وقفوا على أمر هائل أذهلهم وأخرجهم عن طور المألوف والمعتاد من سلوك البشر: لقد رأوا براهين وأنوار النبوة تتلألا أمامهم، فلم يسعهم إلا الفرار بدينهم إلى أرض الغربة، غير مكترثين بممتلكاتهم وعلاقاتهم الأسرية وروابطهم الاجتماعية وجذورهم القبلية؛ وهاجروا إلى المدينة لا تحذوهم غنيمة أو سعة مادية، بل عاشوا بعد ذلك أغلبهم فقراء كما قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
ثم هؤلاء الأنصار الذين قاسموهم ديارهم وأموالهم بالمدينة، وهم غرباء عنهم، ألا يدل ذلك على أن الأنصار رأوا هم ايضاً ذلك النور الذي اهتدى إليه إخوانهم المهاجرين؟!
فكيف لا نصدقهم نحن ايضاً وقد بلغنا خبرهم هذا بالتواتر المفيد لليقين ؟!
2) خلو القرآن من الخرافات السائدة إبان تنزيله:
بعض منكري النبوة، كلما سمعوا احتواء القرآن على حقائق علمية، إلا وسارعوا لنسبتها إلى ثقافات قديمة، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم نقلها عن حكماء الهند أو الصين، أو عن الحضارة المصرية أو اليونانية أو أهل الكتاب..إلخ
لكن هؤلاء المنكرين للنبوة لا يطرحون على أنفسهم سؤال خلو القرآن من الخرافات السائدة إبان تنزيله، فهذه الحضارات القديمة كان لفلاسفتها ومثقفيها وعلمائها، فضلا عن عامتها، تفسيرا للظواهر الطبيعية بحسب السقف المعرفي آنذاك، وقد تسربت الكثير من هذه المعلومات الخاطئة إلى البيئة العربية والجاهلية، لكن شيئا منها لم يجد له مكانا في القرآن الكريم على كثرة آياته المتعلقة بخلق الكون وما فيه من ظواهر، وخلق الإنسان وأطوار تكوينه، في حين أن ما جاء به القرآن موافق لمعطيات العلم الحديث اليقيني وليس النظري..
بالمقابل نجد كتب تفسير القرآن القديمة تحتوي للأسف على هذه الخرافات نقلا عن الإسرائيليات وغيرها..!
وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد كان سائدا في الثقافة العربية وغيرها أن الأرض على قرن ثور، وهذا موجود في التفاسير، والقرآن منه بريء..
كانوا يعتقدون أن الأرض على قرن ثور! والزلازل تكون نتيجة تغيير الثور وضعية الأرض ونقلها للقرن الثاني..!هكذا..
أما القرآن فواضح في حديثه عن تشكل الأرض، يقول تعالى ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ؛ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ؛ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ؛ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
للأسف أن كتب التفسير محشوة بتلك الخرافات المنقولة عن أهل الكتاب وحذاقةالمفسرين ينكرونها ويعتبرونها من جملة ما تسرب لبعض الصحابة من كلام أهل الكتاب مثل كعب الأحبار..!
وخلو القرآن من هذه الخرافات السائدة إبان تنزيله دليل عقلي قطعي على أنه ليس من تأليف بشر عاش في بيئة تعج بالأساطير التي توارثتها الشعوب عن الحضارات القديمة: صينية ويونانية ومصرية وهندية وغيرها مما دسه أهل الكتاب في كتبهم المقدسة فحرفوا وبدلوا..!
3) ماذا استفاد محمد صلى الله عليه وسلم من تسفيه معتقدات قومه؟
لا يمكن لمن ينشد السؤدد والجاه في قومه أن يبدأ بنقض معتقداتهم وتسفيه آلهتهم، لأن الناس توارثوا هذه المعتقدات جيلا بعد جيل حتى رسخت قدسيتها في عقولهم يستغيثون بها ويلجأون إليها عند الشدائد!
فهل يعقل أن يجعل محمد صلى الله عليه وسلم، لو لم يكن نبيا مرسلا، معركته الأولى والمستمرة ضد معتقدات قومه الراسخة في قلوبهم رسوخ الجبال؟!
ثم بعد هذا يجعل أهم أركان الدين الذي يدعو إليه الصلاة، وفيها مشقة الاستيقاظ لصلاة الفجر حيث لذة النوم، ثم يحرم عليهم الزنا والخمر وكانوا مولعين بها ، ويحرم عليهم التباهي بالأنساب وكان ديدنهم في مجالسهم. نواديهم !
هذا وقوف في وجه طوفان بشري وتراكم ثقافي لا يطيقه إلا من يعتقد جازما أن له رسالة بعثه بها رب يحميه، لا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا ، بل هو يعرض حياته وحياة أتباعه للخطر؛ وذلك ما حصل فعلا إذ حاصره قومه هو وأتباعه في شعب من شعاب مكة، منعوا عنهم الطعام والشراب، وقاطعوا تجارتهم ورفضوا مصاهرتهم لعدة سنوات، فما تزحزح محمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أتباعه عن دعوتهم قيد شبر..!
فهذا من أعظم دلائل النبوة..
ومن طالع أحوال الأمم والملوك والاستعمار كيف سادوا، يدرك هذه الحقيقة، فلا أحد منهم اختار أن يبدأ بنقض عقائد القوم الذين يستهدفهم بالسيادة والاحتلال، بل يختار مهادنتهم وأسباب التعايش معهم حتى يتمكن ثم ينقض على معتقداتهم إذا كان يرى في ذلك فائدة.
4) كيف أيده ربه وهو يتحدث باسمه؟
لما زعم النصارى أن الرحمن اتخذ ولدا وحرفت اليهود معتقدات الرسل الذين كان معظمهم من بني إسرائيل، أرسل الله نبيا يصحح مسار الدعوة للتوحيد وإرجاع الأمور إلى نصابها لأن الله تعالى يستحيل في حقه أن يترك الناس في ضلال دون أن يبين لهم ما يتقون..
فمن كان يسلم بوجود خالق لهذا الكون لا يسعه، وهو يرى كيف انتشر هذا الدين في مشارق الأرض ومغاربها وعلا صوته، وهو ينقض عقائد النصارى واليهود ويأتي برواية مناقضة تماما لما أخبر به من سبقوه في عقيدتهم حول الصلب والخلاص وولادة المسيح عليه السلام وطبيعته، أقول من كان يسلم بوجود خالق الكون لايسعه إلا أن يسلم لمحمد صلى الله عليه وسلم بصدق ادعائه النبوة، لأن الإله الحق لا يترك عباده في ضلال من يتكلم باسمه دون أن يأخذه أو يرسل رسولا يصحح ما ادعاه هذا المتكلم باسمه..!
بينما الواقع يشهد أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم انتشر وأطبق الأرض، ثم هو قد ختم النبوة فلا نبي بعده ودعوته انتشرت، فمن الذي أيده وأظهر دينه على الدين كله؛ لقد صدق ما جاء به الكتاب الذي معه كما قال تعالى:( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا)
فالآية في آخرها دليل قطعي على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله الخالق شهد له بالتصديق من خلال نصره على خصومه وإظهار الحق على يده، وغياب أي رسالة بعده تنقض ما جاء به،إلا ما كان من الكذبة الذين ماتت دعوتهم في مهدها، لهو دليل قطعي على صدق محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم إنه تواترت الأخبار أن محمدا صلى الله عليه وسلم عرف بين قومه بالصادق الأمين قبل بعثته، فهل يصح في الأذهان أن يكذب بعد أن بلغ أشده واستوى؟!
يكذب على من؟! على الله والملائكة والرسل قبله؟!
هذا لا يحصل إلا من أكذب الخلق ،ثم يستمر 25 سنة في كذبه لا يتزحزح عنه؟!
هل هذا يسوغه عقل سليم..
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم تسليما كثيرا.



