صادقت حكومة المغرب على قانون استعمال القنب الهندي لأغراض طبية، معمقة بذلك الخلاف بين وجهتي نظر، ترى الأولى بعين إيجابية لهذه الخطوة، وتعتبر أن هذا التقنين سيجعل المغرب يقتنص فرص السوق العالمية، التي تزايد فيها الطلب على استعمال القنب الهندي لهذا الغرض، وأن تطوير زراعاته المشروعة سيسهم في تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي، وسيضع حدا لمشكلة تزايد متابعاتهم القانونية، وسيجعل المغرب يستقطب استثمارات أجنبية مهمة، تربح معها الخزينة من 7 إلى 12 مليار دولار سنويا، بينما ترى الثانية، أن هذه الخطوة ستزيد من نسبة تحويل القنب الهندي إلى مادة مخدرة، ومن تهديد الأمن المجتمعي، وأن التقنين، سيتحول تدريجيا من استعمال القنب الهندي لأغراض طبية إلى الطلب على استعماله لأغراض الترفيه كما حدث في تجارب دولية متعددة، وأنه لن يحل مشكلة المزارعين، وأن إقامة شركات كبرى لهذا الغرض وإلزام المزارعين بالبيع لها بسعر منخفض، سيساهم في دفعهم إلى التحايل على القانون باستغلال الترخيص لفتح المجال لاستعماله لأغراض غير مشروعة، أو سيعمق الاحتقان الاجتماعي بمناطق الشمال..
بدءا نشير إلى أن استعمال القنب الهندي لأغراض طبية، هو بدوره موضوع علمي وطبي سجالي، أي أن هناك آراء علمية وطبية ثقيلة، لا تنفتح إلى اليوم على استعمال القنب الهندي لأغراض طبية، وحتى الآراء العلمية المعتدلة، والتي تعكسها القوانين الألمانية مثلا، تقيد هذا الاستعمال بضابطين، أولهما وجود لائحة ضيقة ومحصورة من الأمراض التي يجوز فيها استعمال القنب الهندي لتسكين الآلام، وثانيهما، منع استعماله في حالة وجود بدائل دوائية له.
الرأي المنتصر لهذا الاستعمال الطبي بدأ مبكرا في عدد من التجارب، في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكندا وأمريكا، ثم ألمانيا وبريطانيا، ثم بدأ يجد بعض الانفتاح في عدد من الدول الأخرى.
فرنسا، مثلا، لم تبدأ تجربة تقنين استعمال القنب الهندي للأغراض الطبية إلا السنة الماضية (2020) وقيدت هذا التقنين، بخوض تجربة سنتين يتم فيها اختبار الأثر الإيجابي لهذا الاستعمال الطبي على بعض الأمراض.
تفيد المعطيات المرتبطة بأكثر من 17 دولة أوربية أقدمت على هذا التقنين أن المستهدفين من المرضى جد محدود (المانيا مثلا حوالي 33 ألفا، وفرنسا ستبدأ التجربة بحوالي ثلاثة آلاف مريض).
معطيات الطلب الدولي على القنب الهندي لاستعماله لأغراض طبية، تؤكد محدودية الكمية المطلوبة، ففي ألمانيا مثلا، لم تكن النسبة المستوردة من القنب الهندي لاستعماله طبيا، تتجاوز 25 طنا.
الكمية التي ينتجها المغرب من القنب الهندي حسب تقرير الأمم المتحدة للمخدرات لسنة 2020، تصل إلى حوالي 35 ألف طن، أما المساحات المزروعة بهذه العشبة ما بين 2016 و2018، فتصل حسب التقرير ذاته إلى 47 ألف وخمسمائة هكتار.
يمنع مشروع القانون استعمال القنب الهندي لأغراض الترفيه، لكنه في الوقت ذاته، يتضمن مساحة رمادية لا يتبين اللون الأبيض من الأسود فيها، فالمادة السادسة، والمادة السابعة عشرة، تثير أسئلة عن استعمالات غير طبية وغير صيدلية في القنب الهندي الذي يقل فيها رباعي الهيدرو كانابينول (THC)عن النسبة التي يحددها انص التنظيمي الذي لا يعرف مضمونه.
حجم طلب السوق الدولي على القنب الهندي لاستعماله لأغراض طبية وصيدلية، لا تتناسب مع الكميات الضخمة التي تنتجها المساحات الشاسعة للمناطق المزروعة بالقنب الهندي
وينص على خضوع كل العمليات التي يخضع لها القنب الهندي (تسع عمليات) لنظام الترخيص من الزراعة إلى التصدير، وتنشأ لهذا الغرض شركات يلزم المزارع ببيع المحصول لها، وتضطلع وكالة تنشأ طبقا لهذا القانون، بوضع دفاتر تحملات تنظم هذا المجال.
وينص أيضا على أن المناطق التي ستكون معنية بزراعة القنب الهندي، سيتم تحديدها بمرسوم، وأن ذلك، سيكون تبعا للحاجيات التي تتطلبها الأغراض الطبية.
تثير هذه المعطيات أسئلة مهمة للفهم، أو تحديات تتطلب الوعي بمخاطرها المرتقبة:
أولها، أن حجم طلب السوق الدولي على القنب الهندي لاستعماله لأغراض طبية وصيدلية، لا تتناسب مع الكميات الضخمة التي تنتجها المساحات الشاسعة للمناطق المزروعة بالقنب الهندي، وهذا يثير تساؤلين، أولهما، كيف سيتم حصر مناطق محدودة ومساحات محدودة لزراعة القنب الهندي يفي بالطلب الدولي، وكيف سيتم التعامل مع المساحات الأخرى التي يفوق إنتاجها الطلب الدولي؟ وكيف سيتم مراقبة تعامل الشركات المغربية أو الشركات الأجنبية التي سيتم استقطاب استثماراتها في المغرب في الأسواق الدولية، لاسيما وأن عددا من الدول اتجهت إلى تقنين استعمال القنب الهندي لأغراض الترفيه بأحجام مقدرة؟
ويرتبط ثانيها، بضمان عدم الانزياح عن استعمال المساحات المزروعة لأنشطة غير مشروعة، فإذا كان المزارع في السابق يبيع محصول هكتار من القنب الهندي بسعر يصل إلى 4500 دولار لتجار المخدرات، فإن المعطيات المرتبطة بسعر القنب الهندي المستعمل لأغراض طبية، تخفض هذا السعر إلى حوالي 800 دولار، فهل ستحصل الكفاية بالنسبة إليه أن يعيش محميا بنص القانون، وهو يحصل أقل من خمس ما كان يحصله في السابق، أم سيدفعه ذلك إلى استثمار الترخيص لحماية نفسه قانونيا، والبحث عن خيارات أخرى للاستمرار في التجارة الممنوعة للقنب الهندي؟ فقد أكد تقرير الأمم المتحدة للمخدرات 2020 بأن تهريب القنب الهندي عبر البحر لم يتعطل بسبب التدابير الإغلاقية التي فرضتها كورونا، وأن الطلب عليه زاد، وأن المتاجرين فيه أبدعوا خيارات تكيفت مع أجواء الإغلاق؟
ويتعلق الثالث بنظام الترخيص، وما يمكن أن يتسبب فيه من إنتاج نمط جديد من الريع الاقتصادي في المغرب، فإذا كانت المقتضيات القانونية، تحيط نظام الترخيص بمعايير نص القانون على بعضها وعلق بعضها الآخر بدفاتر تحملات ستضطلع الوكالة المنشأة بتحديده، فإن هذا القانون يمنح صلاحية تقديرية واسعة للسلطات لرفض طلبات الترخيص بحجة خطر استعمال القنب الهندي لأعمال غير مشروعة، وهو ما يطرح أسئلة عن حكامة نظام الترخيص وشفافيته، وما إذا كان الجميع سيكون سواسية أمامه، أم أنه سيستعمل لمنح شركات بعينها دون أخرى؟.
ويرتبط الرابع، بالمخاطر التي تترتب عن الإقدام على هذه الخطوة، فالتجارب الدولية أثبتت أن تقنين استعمال القنب الهندي لأغراض الترفيه إنما جاء بعد تقنين استعماله للأغراض الطبية، وتعليل ذلك أن نسبة المقاومة المجتمعية للقنب الهندي تضعف بعد التقنين، ويتجه المشروع بشكل سريع إلى مسايرة التحول المجتمعي، فيتم تقنين استعمالات الترفيه كما جرى في عدد من التجارب الدولية. وفضلا عن ذلك، فإن الترخيص بزراعة القنب الهندي، سيرفع الحرج المزارعين، وسيصير بالإمكان التحايل على لجان المراقبة أو طلب تواطئها بشأن كمية المحصول جعل جزء منه يتجه للأغراض غير المشروعة، وهو ما سيطرح تحدي تنامي معدل انتشار المخدرات في المجتمع، وما يترتب عن ذلك من تدمير بنية المجتمع وتهديد أمنه باطراد الجريمة المنظمة وارتفاع حدتها. عن “القدس العربي”