أسئلة موجهة إلى وزير الأوقاف.. فهل يتفضل بالإجابة عنها؟!

هوية بريس – د.عبد الله السباعي
لا يخفى على المتتبع ما أحدثه توحيد خطبة الجمعة من تداعيات بين المغاربة، ولغط بعد كل خطبة موحدة بدرجات متفاوتة بين الخطب، لكن الرأي العام في الجملة يكاد يكون مجمعا على رفض سياسة توحيد الخطبة، والتي يشهد الخاص والعام على أنها تُفْرِغُ خطبة الجمعة من فحواها، ولا يُستثنى من هذا الإجماع إلا وزير الاوقاف ومن يدور في فلكه، من أعوانه ومن يخشى على منصبه ولقمة عيشه. والذي يظهر من كلام وزير الأوقاف ولهجته أنه يعيش في عالمه الخاص، منفصلا تماما عن الواقع، انفصالا كليا.
فنصيحتي المتواضعة لوزير الأوقاف أن يخرج من قوقعته، وأن يتواضع فينزل من بُرْجِهِ الْعَاجِي، وأن يتجرد من غروره وإعجابه برأيه إذا كان يريد حقا الخير والصلاح لمجتمعه وبلاده.
فنحن نراه في كل مرة يفتخر بنسبة الخطباء الملتزمين بالخطبة الموحدة (95% ثم 97%)، لكني أتساءل: هل هذه النسبة تعبر عن نجاح الخطبة الموحدة في تحقيق أهدافها؟ وهل تعبر هذه النسبة عن قبول الفئة المستهدفة (عوام الناس) للخطبة وانتفاعهم بها؟
بل أتساءل: هل تُعَبِّرُ هذه النسبة حقا -على فرض صحتها- عن اقتناع جل الخطباء بالخطبة الموحدة؟ أم تدل على مدى سطوة الوزارة وقهرها للخطباء، وتهديدهم بالعزل وقطع الأرزاق؟!
نحن ندعو وزير الأوقاف العلماني -باعترافه- أن يجري استطلاعا للرأي العام في موقع الوزارة، يفتح فيه المجال للمغاربة ليعبروا عن رأيهم في سياسة توحيد الخطبة، أقترح فيه ثلاث خيارات:
-أنا مع توحيد خطبة الجمعة والعيد.
-أنا ضد توحيد خطبة الجمعة والعيد.
-أنا مع توحيد المواضيع دون الخطبة.
النسب المحصل عليها ستكون معبرة عن مدى قبول المغاربة لسياسة توحيد الخطب، هذه السياسة التي تشكل في نظر الكثيرين تهديدا حقيقيا لنجاح خطة التسديد بِرُمَّتِهَا.
وحتى لا نكون “عَدَمِيِّينَ” فنحن لسنا ضد خطة “تسديد التبليغ” وأهدافها المعلنة، والتي تتمحور حول إصلاح تَدَيُّنِ المغاربة وتقليص الفجوة بين دِينِهِم وَتَدَيُّنِهِم، كما نعترف أن هناك ارتقاء في مضمون أغلب الخطب وأسلوبها بالمقارنة مع الخطب الأولى، ولكن في المقابل فإننا وإن وافقنا الوزير في التأصيل فإننا نخالفه في التنزيل، وَنُذَكِّرُه أن فكرة توحيد الخطبة ليست وحيا يوحى، ولا هي من ثوابت الأمة، بل إنها لا تعدو أن تكون اجتهادا بشريا قابلا للنقاش والأخذ والردّ، فلا ندري لماذا يتعامل الوزير مع المخالفين له في الرأي بعصبية وتشنج ؟ ألا يتعارض تصرفه هذا مع مبدإ التسامح واحترام الرأي الآخر الذي يتبجح به العَلمانيون؟!
أليس من حق المخالفين له في توحيد الخطبة أن يناقشوه في مضامين بعض الخطب، وأن يتساءلوا:
-هل من الحكمة إخبار عموم الناس في كل مرة بمضمون الخطة وأهدافها؟
-أم إن هذا يُشْعِرهم أن المساجد والمنابر صارت وسيلة لتحقيق أجندة الوزير وقناعاته الخاصة، وأن الخطباء صاروا مجرد أبواق لوزير الأوقاف الذي يحظى بشعبية أحسبها تقارب (97%-).
-وهل من الصواب وفن الخطابة تقديمُ فَهرسة لِلْخُطَبِ السابقة واللاحقة لعموم الناس؟
-أم هذا مما ينبغي أن يُخص به الخطباء إن لم يكن بد من الفهرسة؟!
-هل من اللياقة والأدب وصف الوزير لمن يخالفه الرأي في توحيد الخطبة من الخطباء بالمرضى، والعدميين، والخوارج؟!
-أم إن هذا يتعارض هذا مع روح خطة “تسديد التبليغ” التي تهدف إلى تقويم سلوك المغاربة، ليتمثلوا أخلاق دينهم التي تدعوهم إلى التجرد من أدواء القلوب: كالأنانية والعجب والغرور، كما تدعوهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق كالتواضع، والحلم، وكف الأذى والسِّبَاب عن عموم المسلمين، فكيف بخطبائهم ووعاظهم وعلمائهم؟!
وفي الختام نذكر الوزير بهذا المقطع الرائع من خطبته الموحدة الأخيرة:
“… كما كان الاسلام دين الجماعة في توصيته بحسن الجوار، وحسن المعاملة، واللين في أيدي الآخرين، والأخذ والعطاء بالحسنى، والسماحة، والتيسير في المعاملة، وإصلاح ذات البين….”
فأين هو وزير الأوقاف من هذه الأخلاق النبيلة في معاملته لإخوانه الخطباء الذين يوافقونه في المقصد ويخالفونه في الاجتهاد؟!
لماذا لا يتسع صدره للخلاف؟! وقد ورد في الخطبة الموحدة السابقة ما نصه:
“…الأمر الذي يجعل الاختلاف في الاجتهاد مع الوحدة في المقاصد أمرا مقبولا بل واجبا“.
ومن جميل ما ورد في الخطبة أيضا قولهم: “….ومراعاة المحتاجين من الفقراء والمساكين، والأرامل والأيتام مما ينفي عن ديننا الحنيف الكبر والأنانية والأثرة والشح والبخل الذي يُعَدُّ من أسوء العيوب، ويقطع مَوَدَّاتِ القلوب، و”مَنْعُ الجود سوء ظن بالمعبود” كما يقال، وَيحصل البر بما تيسر من فعل حسن، وقول حسن، وطلاقة وجه، وإمساك شر، وحسن ظن، وذكر جميل”.
فهل من الجود والكرم مع الخطباء إعطاؤهم 400 درهم للشهر؟! أم إن البخل معهم يفسره ما ذكر في الخطبة من الكبر والأنانية والأثرة؟! وأن “منع الجود سوء ظن بالمعبود”…
هل من حسن القول، وطلاقة الوجه، وإمساك الشر: وصف الخطباء بالمرضى والخوارج؟!
أسئلة عالقة تحتاج إلى أجوبة من الوزير…. ولكن هيهات هيهات!!



