أسباب تأخر نزول الغيث
ذ. عبد الغني العمراني الزريفي
هوية بريس – الأربعاء 27 يناير 2016
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، إن تأخر نزول الغيث في هذه الأيام، هو حديث كثيرٍ من الناس، في الأماكن والقرى التي تعتمد على الأمطار، يشكون قلة الماء، ويشكون جدب الأرض، وحق لهم أن يشكوا؛ فإن الماء من أعظم نعم الله تعالى، وهو أساس الحياة، كما قال عز وجل: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون).
وكثيراً ما يمتن الله تعالى على عباده بنعمة إنزال الماء من السماء، قال عز وجل :(أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون)، وقال سبحانه: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون).
إن من أسباب تأخر نزول الغيث و القحط وجدب الأرض ما جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم).
وقد جاء في هذا الحديث أمران بهما يمنع القطر من السماء، و يحصل الجدب والقحط في الأرض.
الأمر الأول: لم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، والأخذ بالسنين أحد أنواع البلاء والعذاب، كما قال تعالى عن عذاب آل فرعون في الدنيا: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكرون).
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء) هذا هو السبب الثاني لتأخر نزول الغيث من السماء.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولولا البهائم لم يمطروا)، أي ولو نزلت قطرات المطر وغيث السماء ما كان ذلك إلا للبهائم، ولولا البهائم لم ينزل الله الغيث، فالغيث ليس لهؤلاء العصاة المصرين على معاصيهم، الذين لا يقلعون عنها، إنما هو رحمة بالبهائم العجماوات. وقد تهلك البهائم بسبب معاصي بني آدم.
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: “إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم”.
قال مجاهد: “إن البهائم لتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدت السنن تقول: من شؤم معصية بني آدم”.
ليس سبب تأخر الأمطار هو مجرد رياحٍ تأتي من الشمال أو الجنوب أو تغيرٍ في الأحوال المناخية، بل السبب الحقيقي لتأخر الأمطار هو هذه الأسباب التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا ما أقلع الناس عن هذه الأمور واستغفروا الله بقلوب صادقة، كانوا على رجاء الرحمة ونزول الغيث، كما قال سبحانه وتعالى على لسان نوح عليه السلام: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا).
وقال تعالى على لسان هود عليه السلام: (ويا قوم استغفروا الله ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين)
إن من أسباب نزول الغيث من السماء: أن نستغفر الله سبحانه وتعالى ونتوب إليه، وأن نتضرع إليه أفرادا وجماعات، إذ هو القائل تعالى: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون).
اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.