أسرة مسلمة وربها مرتدّ!
شريف السليماني
هوية بريس – الخميس 10 دجنبر 2015
تختلف التقديرات حول عدد المرتدين عن الإسلام في المغرب. وبما أن الغالبية منهم لا تبوح بردتها، فمن الصعب تحديد العدد بصفة يقينية. لكن يظهر أن العدد ليس باليسير. والذي يتتبع التعليقات التي تنشر على الجرائد الإليكترونية حول المواضيع التي لها علاقة بالإسلام، يتأكد أن العدد كبير فعلا. لا يهمني في الحقيقة من ترك الإسلام على بصيرة وباقتناع تام! (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) يونس:108. فالناس هم الفقراء إلى الله والله غني حميد. ولا يظن هؤلاء أننا نأسى عليهم أو أن الإسلام قد فقد شيئا بردتهم! فقد كفر بالإسلام عما رسول الله، وكفر بنوح ابنه وزوجته، وبلوط زوجته.. ومع ذلك استمر دين الله واستمرت الدعوة إلى توحيد الله وستستمر ما بقيت السموات والأرض، (فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (المائدة:68).
الذي يهمني في الحقيقة هم أولئك الناس الذين يغرر بهم ويستغل جهلهم أو حاجتهم فيتعرضون للتضليل والخداع “فتزعزع عقيدتهم”، ليس بناء على قرارات مستقلة ومعطيات صادقة، وإنما بناء على التضليل والخداع واستغلال الجهل والحاجة.
لحماية هؤلاء من أن تزعزع عقيدتهم سن المشرع المغربي قوانين تستمد جذورها من مبادئ الإسلام الحنيف باعتباره دين الدولة كما ينص على ذلك الدستور. ومن هذه القوانين تجريم وعقوبة من يقوم بزعزعة عقيدة المسلم ومنع زواج المسلمة من غير المسلم ومنع الزوجين الغير مسلمين من كفالة الأطفال اليتامى والمهملين.
كنا نعتقد إلى وقت قريب أن كل المغاربة مسلمون! وربما حتى الذين شرعوا هذه القوانين كانوا يقصدون بها غير المسلمين من “غير المغاربة”. لذلك يشترط القانون في الأجانب من الغربيين الذين يريدون الزواج من مغربيات الإدلاء بشهادة تثبت اعتناقهم الإسلام. وتراقب الدولة المؤسسات الغربية التي تنشط في البلاد مخافة التنصير، وقد طردت بعضهم بالفعل لما تبين أنهم “مبشرون” تقمصوا أدوارا خيرية واجتماعية. كما تتشدد الجهات المختصة في السماح لغير المغاربة بكفالة الأطفال المغاربة مخافة تغيير عقيدتهم!
كل هذه الإجراءات قد تساعد على حماية عقيدة المسلمين من أي زعزعة يكون مصدرها والمتسبب فيها غير المغاربة. لكن كيف نحمي عقيدة المغاربة من مغاربة أنفسهم ارتدوا عن الإسلام؟.
إنني لا أطرح هذا السؤال اعتباطا ولا رغبة في إثارة نقاش عقيم، وإنما أطرحه بناء على واقع عايشته بنفسي. فغير بعيد، اتصل بي شاب في السابعة عشر من عمره يسأل ويستشير حول علاقته بأبيه. وكان من بين ما قال إنه لا يكن أي احترام لهذه الأب! ظننت أن السبب راجع إلى سوء معاملة الأب لابنه، لكن الابن أخبرني أن هناك سببا آخر يتمثل في موقف هذا الأب من الإسلام! فهو لا يصلي ولا يصوم بل ويهزأ بالإسلام ويهزأ ببناته وزوجته اللوات يرتدين الحجاب ويسخر من كل أشكال التدين! قلت للشاب: هل حاولتم أن تتكلموا معه لعل الله أن يهديه؟ فأجابني متأثرا جدا: كيف أتكلم معه عن الإسلام وهو يقول إن الإسلام ليس ديننا وإنما هو دين العرب!!! قلت: إن من يقول مثل هذا الكلام ويعتقده يعتبر خارجا عن الإسلام! قال الشاب: أعرف ذلك، ولهذا السبب لا أستطيع أن أحترمه ولا أن أعامله كأب فعلا! ولأن العائلة تقطن خارج المغرب سألت الشاب عن بلده الأصلي فأجابني: نحن مغاربة وأبي مغربي أيضا أبا عن جد، إلا أن أمي وعائلتها ما كانوا يعلمون شيئا عن توجهه هذا قبل الزواج. لقد حسبوه كالكثير من المغاربة الذين يتكاسلون عن تطبيق تعاليم الإسلام لكنهم مسلمون يقينا، في الأخير فقط أبان عن معتقده، إنه لا يؤمن بالإسلام ولا يحترمه! يضيف الشاب.
انتهى الحديث بيني وبينه وقد حاولت أن أنصحه بما رأيت أنه صواب مستحضرا معاناة أمه (زوجة هذا المرتد) المسكينة التي وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه. فالاستمرار مع زوج ارتد عن الإسلام ممنوع شرعا، لكن الانفصال عنه بعد طول العشرة وبعد ما أنجبت منه أولادا أيضا أمر ليس بالسهل! أما حال أولاده فلا يقل مأساة عن حال أمهم. فهم مطالبون بطبع الفطرة وبرابطة الأبوة ببر أبيهم وحسن معاملته. لكنهم مطالبون أيضا بتطبيق دينهم ومحبته والدفاع عنه رغم أنف أبيهم المرتد.
حالة هذه الأسرة ليست الوحيدة بالتأكيد، فأعداد المرتدين المغاربة ربما تكون بالآلاف. ولأننا نعتبر المغاربة مسلمين بطريقة أوتوماتيكية، لا نسأل عن دين أي مغرب يتقدم لخطبة فتاة مغربية. وبالتالي فمن المحتمل جدا أن يحدث لبناتنا وأخواتنا ما حدث لزوجة هذا المرتد وعائلتها، فنعتقد أننا زوجنا بناتنا من مسلمين فإذا بهم مرتدون! فهل من سبيل أو خطوات يجب اتخاذها للحد من هذا الغدر والخداع؟ نعم، أقول الغدر والخداع لأنني أقصد من قدم نفسه على أنه مسلم وتزوجته المسلمة على هذا الأساس وهو ليس كذلك. أما التي علمت بحقيقة ردّة من تقدم إليها ثم قبلت به زوجا لها عن اقتناع فلا يهمني أمرها ولتعقد قرانها حتى برعاية الإله “ياكوش” إن شاءت!
كإجراء أول للوقاية من هذا الأمر، لا بد من أن تحتاط الفتاة المسلمة وأن تحتاط عائلتها (أعني المغاربة بالخصوص) وأن يسألوا كثيرا عن كل شاب لا يعرفونه بشكل جيد يريد الارتباط بالفتاة المسلمة، خاصة إذا ظهرت عليه علامات عدم التدين، وأن يتأكدوا فعلا بأنه مسلم، وإن كان مغربيا واسمه محمد أو عبد الله!
أما الإجراء الآخر فيتعلق بواجبات الدولة باعتبارها المسؤولة على حماية عقيدة المواطنين، وهو عبارة عن اقتراحين لا أدري مدى واقعيتهما وقبولهما للتطبيق من الناحية القانونية.
الاقتراح الأول: فبما أن الإسلام وقوانين البلاد يمنعان زواج المغربية من غير المسلم، وبما أن أعداد المرتدين عن الإسلام من المغاربة كبيرة كما قلت وكما يصور المرتدون أنفسهم، فهل بالإمكان مثلا اشتراط شهادة ثبوت وتأكيد إسلام من يريد الزواج من مغربية -وإن كان مغربيا- قبل عقد الزواج، تماما كما يشترط ذلك في حق الغربيين؟ خاصة إذا لم تستطع البنت وحدها أو عائلتها التأكد من الأمر. بهذا سيضطر هذا الشخص ليثبت أنه مسلم فعلا، عبر شهادة جمع من المسلمين وعلى رأسهم “إمام مسجد” الحي الذي يسكن أو يعمل فيه المعني بالأمر!
أما الاقتراح الثاني فيهدف إلى حماية عقيدة الأطفال المغاربة. لقد ذكرت في بداية المقال أن القانون يمنع غير المسلمين من كفالة الأطفال المغاربة حفاظا على عقيدتهم وهويتهم الإسلامية، ويجرم من يحاول زعزعة هذه العقيدة. لكن، ما الحل إذا ثبت أن أب الطفل نفسه ارتد عن الإسلام وأصبح يشكل خطرا على عقيدته وهويته التي من واجب الدولة حمايتها بنص القانون؟ هل من صلاحيات الدولة المغربية الإسلامية مثلا أن تتدخل وتنتزع حق التربية والحضانة من الأبوين أو أحدهما إذا ثبتت ردتهما عن الإسلام؟ وهل من صلاحياتها تطليق الزوجة المسلمة من زوجها المرتد؟ لم أسمع إلى حد الآن بأي تدخل من هذا النوع في المغرب. مع العلم بوجود أسر مسلمة عليها أرباب مرتدون!
لعدالتنا الموقرة واسع النظر!